ثمة سؤال يطرحه كل عربي، عاش تجربة الخمسين سنة الماضية، مؤداه: هل يستقر العالم العربي؟ هناك ثلاث إجابات على هذا السؤال سأوجزها في التالي. النفي، وهذا يلخص لنا ما يجري اليوم في منطقتنا. فكلما أعلن العرب مبادرة للسلام وفض الخصام مع الإسرائيليين نفخ البعض الهواء في الرماد، فاشتعلت النار من جديد. وإذا كان من هدوء في فلسطين فحدود لبنان مشتعلة، والجمر فيها لم يخمد بعد. وإنْ تريث الإسرائيليون في شن غارة ما، فإن الوضع في العراق لن يهدأ، فهناك أحزاب متناحرة تناست المصلحة الوطنية للعراق، ونسيت الشعب العراقي الجريح، والذي أعلن الكل أنهم إنما هم ممثلون لهذا الشعب، ولكن الحقائق تبين لنا أنهم يمثلون مصالح يأتي في آخرها الشعب العراقي، فكل حزب لانتمائه الطائفي يعمل، ولهمه الخاص متفرغ. وربما لو كان هناك من أمل في أن تهدأ هذه الساحة، فإن واقع إيران يشهد حراكاً مستمراً، في اتجاه أن تصبح إيران قوة نووية، وهذا لن يرضي الغرب ولا الشرق. ما سبق من ملاحظات يسوقه من يؤمن بأن منطقتنا لن تستمتع بالاستقرار على الأقل في العقد القادم من الزمن. من يُجب على السؤال الماضي بشيء من التردد، يرَ بصيص أمل من وراء الرماد، فهو يؤمن بأن الضربة التي لا تقتلك تزيدك قوة، وأن ما يجري من حولنا يمثل إرهاصات لأمل جديد في الاستقرار. ولكن هذا الاستقرار يتطلب تنازلات منا نحن العرب بقبول إسرائيل واقعاً حتى ولو كانت هي المعتدية، وهي من تشن الغارات والهجمات، لكنها كما يقول أهل الواقعية قوة مدعومة من العالم كله ولن ننجح في التعامل معها. من هنا يرى أصحاب التردد في اتخاذ القرار أن الواقعية السياسية لها معادلة قد لا نؤمن بها، لكننا لابد من أن نتعايش معها. أما الجواب الثالث لهذا السؤال، فهو بالإيجاب. ويرى أصحاب هذا الرأي أن دولًا في العالم مثل دول أوروبا كانت بينها حروب استمرت لسنوات من الزمن أزهقت فيها الأرواح ودمرت فيها مدن كاملة، فحرب الألمان من أوروبا مثلاً شاهد على ذلك العصر الذي برزت فيه العنصرية، ونُسيت فيه الواقعية، فكان الدمار والخراب اللذين لحقا بأوروبا. لكن من يزُر "أوروبا الموحدة" اليوم، ويتنقل بالسيارة بين حدود دولها، يرَ كيف أن هذه الحدود قد نُسيت، كما أن تاريخاً جديداً للمنطقة يُُكتب، يكون فيه لـ"اليورو" الغلبة على غيره من العملات. ولأنصار "اليورو" غلبة مستقبلية في السياسة الداخلية والخارجية. من يتبنَ هذا الرأي يؤمن بأن الاستقرار قادم للعالم العربي، ولكن هذا الاستقرار بحاجة إلى مقدمات لا بد منها. التنمية الإنسانية المستدامة هي ما أوصلت أوروبا إلى ما هي عليه اليوم، فاحترام الإنسان لأنه إنسان، والعمل على الاستفادة من العقول البشرية لأقصى طاقة، ووجود نظام إداري فاعل يُقال فيه للمحسن أحسنت وللمسيء أخطأت، كما أن العدالة القضائية واحترام القانون... كل ما سبق من مقدمات نجحت فيه أوروبا، وفشل فيه العرب على الأقل حتى وقتنا الحاضر... فمع أي رأي تميل أيها العربي؟