في نوفمبر من عام 2005، لقي تاجر هندي مسلم صغير يدعى سهراب الدين شيخ حتفه إثر إطلاق الرصاص عليه في حادثة لها صلة بالعمليات الأمنية التي تشنها شرطة جوجارات، سيئة الصيت. وعندها كانت شرطة جوجارات قد زعمت أن لـ"سهراب الدين" صلة عضوية مع جماعة "عسكر طيبة" الإرهابية، وأنه كان يخطط لقتل السيد ناريندرا مودي، كبير وزراء جوجارات، والزعيم الهندوسي "اليميني" المتطرف. وقالت الشرطة إن خطة الاغتيال تهدف للانتقام لمصرع عدد كبير من المسلمين في أعمال الشغب التي وقعت بين الهندوس والمسلمين عام 2002. كما اختفت كذلك زوجة التاجر القتيل، "كوثر بي"، في اليوم نفسه ولم يعد أحد يعرف أين هي. غير أن الصحافة الهندية المطبوعة والإلكترونية معاً رفضتا تصديق مزاعم شرطة جوجارات. وبعد أن رفضت حكومة ولاية جوجارات التدخل في حادثتي القتل والاختفاء، صعّدت منظمات المجتمع المدني، والمنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان الأمر إلى المحكمة العليا الهندية، وطالبتها بالتحقيق في مقتل التاجر المسلم واختفاء زوجته "كوثر بي". وبأمر من المحكمة العليا، فوضت الحكومة المركزية في نيودلهي، جهاز التحريات الجنائية الخاصة بالتحقيق في حادثة القتل. وبعد مضي أكثر من أربع سنوات من التحقيقات الشاملة، توصل فريق التحريات الجنائية الخاصة إلى أن "سهراب شيخ" وزوجته المختفية قد اختطفا من قبل شرطة جوجارات أثناء عودتهما من مدينة حيدر آباد، وتم اقتيادهما إلى منزل ريفي بمدينة أحمد آباد قتل فيه "سهراب الدين" أولاً، ثم قتلت زوجته بعد ثلاثة أيام وأحرقت جثتها. وأمرت سلطات التحريات الجنائية ابتداءً باعتقال 15 من مسؤولي الشرطة، بمن فيهم أربعة ضباط كبار من شرطة جوجارات باتهامات تتعلق بتورطهم في جريمة القتل. وكشفت التحريات المكثفة التي أجراها فريق التحقيق أن سياسياً نافذاً في الولاية، ووزير الداخلية، "أمت شاه"، كانا وراء التخطيط لقتل الزوجين. وقد تم اعتقال الوزير بتهمة الاختطاف والابتزاز والتآمر في جريمة قتل. وتوصل ضباط التحريات الجنائية إلى أن هناك تنافساً استثمارياً بين الضحية سهراب الدين، والوزير النافذ، أمت شاه. ولكونه وزيراً لداخلية الولاية، وبيده جميع سلطات أمنها وقوات شرطتها، فقد قرر التخلص نهائياً من منافسه التاجر الصغير، بإصدار أوامر تنفيذ القتل لكبار ضباط الشرطة. وذكرت لائحة الاتهامات الموجهة إلى الوزير، أنه لم يصدر أوامر القتل فحسب، بل وصف لضباطه الكيفية التي يجب أن يتم بها القتل. أما الزوجة كوثر بي فقد قتلت وأحرقت جثتها لأنها كانت الشاهد الوحيد على جريمة القتل. وبصفته الذراع اليمنى لكبير وزراء جوجارات، ناريندرا مودي، فقد كان على أمت شاه إخفاء جريمة قتله هذه بقدر المستطاع. وبعد أن انكشف الأمر، فإن على فريق التحقيق أن يتوخى الحذر في التعامل مع هذا السياسي النافذ، نظراً لانتمائه إلى حزب "بهاراتيا جاناتا" اليميني المتطرف. وكان الوزير أمت شاه قد اختفى عن الأنظار لدى علمه بوشاية بعض الضباط المعتقلين به، وكشفهم عن دوره في تخطيط وتنفيذ جريمة القتل. وكان فريق التحقيق قد داهم منزله ومكتبه، دون أن يعثر له على أثر. وبعد مرور أربعة أيام على اختفائه، ظهر الوزير فجأة خلال مؤتمر صحفي عقده، نفى فيه أي صلة له بالاتهامات الموجهة إليه، واصفاً إياها بأن وراءها دوافع سياسية. كما حاول قادة حزب "بهاراتيا جاناتا" تحويل القضية إلى صراع بين حزب "المؤتمر" وحزب "بهاراتيا جاناتا"، غير أن تلك المساعي لم يكتب لها النجاح، نظراً إلى وفرة الأدلة الدامغة على تورط الوزير في جريمة القتل. وإلى جانب الأدلة المتوفرة، فقد أبدى أحد كبار الضباط المعتقلين في الجريمة، نائب مفتش الشرطة العام بالولاية، استعداده للشهادة ضد الوزير وإثبات تورطه في الجريمة. كما تشير وقائع الجريمة إلى تبادل مكالمات هاتفية كثيرة بين هذا الضابط والوزير، بلغ عددها 32 مكالمة خلال الأسبوع الذي قتل فيه الزوجان المذكوران. وليست هذه الحادثة المفبركة الأولى من نوعها في ولاية جوجارات، ولا هي بمعزل عن بقية الجرائم المشابهة التي تكرر ارتكابها من قبل شرطة الولاية. فقبل أربع سنوات، قتلت "عشرت جاهان" الطالبة الجامعية بنت التسعة عشر عاماً وثلاثة من أصدقائها وزملائها، على يد شرطة جوجارات بزعم أن أربعتهم ينتمون إلى جماعة "عسكر طيبة" الإرهابية وأنهم كانوا يخططون لقتل كبير الوزراء، ناريندرا مودي. وقد تبين من خلال التحقيقات بطلان مزاعم الشرطة وفبركتها لتلك الجريمة. وتوصل التحقيق القضائي الذي أجري عن الجريمة إلى أنها كانت "مدبرة" وتم تنفيذها دون رحمة أو واعز أخلاقي مهني من قبل شرطة جوجارات. وذكر التقرير الذي أسفر عنه التحقيق القضائي، أن الطالبة "عشرت جاهان" قد أرغمت على الجلوس في المقعد الأمامي للسيارة، وأطلقت عليها رصاصة من مدى قصير جداً. والأكثر خطورة في هذه الجرائم التي ترتكبها الشرطة بحق المواطنين المدنيين، أنها ترتكب في ولاية جوجارات التي شهدت صدامات دموية عنيفة في عام 2002، استهدف فيها المسلمون بصفة خاصة. بيد أن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة، والتحقيق الذي أجري في قضية مقتل الضحيتين، بما فيها الأمر باعتقال وزير داخلية الولاية، تؤكد جميعها ألا أحد فوق القانون، وأن العدالة تطال جميع المجرمين مهما كانت مكانتهم والسلطات التي يتمتعون بها. والحقيقة أن مثل هذه الجرائم تتناقض والقيم الديمقراطية التي تؤمن بها الهند، كما أن فبركة مثل هذه الجرائم تعد أسوأ استغلال للسلطة من قبل أجهزة الشرطة في النظام الديمقراطي. فعلى الشرطة أن تؤدي واجبها إزاء سيادة القانون، لا أن تسخر القانون لخدمة أجندتها وأغراضها الخاصة. وليس ثمة مكان لجرائم القتل الجزافي في المجتمعات المدنية المتحضرة، وتجب إدانتها واستئصال شأفتها من جسد المجتمع المدني.