التحقيق الذي نشرته صحيفة "الاتحاد" في عددها الصادر يوم الثلاثاء الماضي، وأشارت فيه إلى قيام وسطاء عقاريين باستغلال تراجع الإيجارات لرفع نسبة العمولة إلى (10 في المئة)، من القيمة الإيجارية السنوية، بدلاً من (5 في المئة) المتعارف عليها، يشير بوضوح إلى التجاوزات والمشكلات التي تشهدها مهنة الوساطة العقارية، والتي من شأنها أن تقدم صورة مشوّهة عن قطاع العقارات في الدولة. قائمة التجاوزات التي كشفت عنها الصحيفة لا تتوقف عند حدّ رفع نسبة العمولات من جانب بعض الوسطاء العقاريين، وإنما تتجاوز إلى وجود أكثر من وسيط في المعاملة الواحدة، وقيام بعض الوسطاء باستغلال جهل بعض المستأجرين خاصة من المقيمين والأجانب بتقديم صورة غير حقيقية عن الواقع الفعلي لمستوى الإيجارات العامة، إما بالمبالغة المفتعلة في القيم الإيجارية، وإما بالترويج لمتغيّرات وعوامل وهمية باعتبارها مؤثرات قوية في اتجاهات الأسعار. المشكلة الأكبر تتمثل في بروز فئة من الوسطاء غير المرخصين، الذين لا ينتمون إلى أي مكاتب عقارية، ولا يمتلكون رخصة لمزاولة هذه المهنة، فهذه الفئة هي الأخطر على سوق العقارات ليس لكونها تعمل في إطار غير قانوني وحسب، وإنما لأنها تسيء إلى السوق العقارية بوجه عام أيضاً، إذ إنهم يتلاعبون بالأسعار ويخدعون المستأجرين والمشترين ويرفعون العمولات ويغيّرون اتجاهات السوق والقطاع بما يضرّ بمصلحة السوق بشكل عام، بل والأخطر أن ممارساتهم قد توفّر المناخ المناسب لفتح أبواب الشائعات على مصراعيها حول قطاع العقارات. بمعنى آخر هؤلاء يمارسون دوراً سلبياً يؤثر في سمعة السوق العقارية، ويقدم صورة مغلوطة ومشوهة عنها، وليس أدل على ذلك، من أنه في الوقت الذي تشير فيه التقارير الرسمية إلى تراجع الإيجارات في أبوظبي ومختلف إمارات الدولة مقارنة بفترة الطفرة عام 2008، فإن كثيراً من الباحثين عن سكن لا يلمسون ذلك. إن مظاهر الخلل التي تسيطر على "مهنة الوساطة العقارية" ترجع بالأساس إلى غياب أو ضعف الضوابط والإجراءات التي تحكم السوق العقاري وتنظمه، ولهذا فمن المهم العمل على معالجة هذا الوضع، وسد الثغرات التي ينفذ منها بعض المستفيدين في ممارسة تجاوزاته، وهذا لن يتحقق إلا من خلال وضع القوانين والتشريعات التي تنظم سوق العقارات، وبما يضمن حقوق جميع أطرافها، المالك والمستأجر وكذلك مَنْ يقومون بدور الوساطة العقارية، على أن تتضمن هذه القوانين تحديد نسبة العمولة لهؤلاء الوسطاء، مع تشديد الغرامات والعقوبات عـمَّنْ يتجاوزها. إن الإسراع بتنظيم "مهنة الوساطة العقارية" وإيجاد الآليات والضوابط التي تحدد طبيعة عمل القائمين بها، سواء كانوا سماسرة أو مكاتب وساطة، بات ضرورة ملحّة، ليس للتصدي للتجاوزات العديدة السابق الإشارة إليها، وإنما لأن هذه المهنة أصبحت إحدى المحددات الرئيسية المؤثرة أيضاً في قطاع العقارات الذي يعد من أهم القطاعات في الدولة، سواء من حيث حجم الاستثمارات التي تضخ فيه أو الحيّز الذي يشغله في الاقتصاد الوطني بشكل عام، ولذا فإن من الضروري العمل على تخليص هذا القطاع الحيوي من أي تجاوزات أو اختلالات قد تؤثر في دوره الحالي أو المستقبلي في دعم الاقتصاد الوطني. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.