لقد غطي الآن خليج المكسيك بطبقة بقعة نفطية تتسع مساحتها بشكل خطير. وفي ذلك ما يهدد صحة وسلامة البيئة البحرية، وحياة السكان الساحليين، الذين تضررت معيشتهم كثيراً جراء انتشار تلك البقعة النفطية الكارثية. ومنذ اليوم الأول لكارثة منصة "ديب واتر هورايزون" تزايدت رغبة سكان الساحل المنكوب في معرفة كم من النفط المتوقع تسربه يوميّاً في منطقتهم، ومن أين يأتي التسرب، وإلى أين يذهب، وما هي التأثيرات المتوقعة للبقعة النفطية على النظام البيئي الساحلي، وما هي المدة التي سيستغرقها تعافي البيئة الساحلية من تأثيرات التسرب النفطي؟ ومن بين الأسئلة التي أثارها سكان الساحل أيضاً: إلى أي مدى يمكن لهذه الكارثة أن تؤثر على صحتهم ووظائفهم ومجتمعاتهم؟ وللأسف أنه لا الحكومة وشركة "بي. بي" المتسببة في البقعة النفطية، ولا العلماء المختصون، كانوا على استعداد للإجابة عن هذه الأسئلة المهمة. وبعد مضي ثلاثة أشهر على الكارثة، كانت هناك أسئلة تفوق بكثير عدد الإجابات التي توفرت لها. كما يلاحظ أن الاستجابة العلمية الفيدرالية الأساسية، قد انحصرت في "تقييم الضرر بالموارد الطبيعية" الناشئ عن البقعة النفطية، وهو إجراء تم بناءً على نصوص قانون "تلويث المحيط" لعام 1990، تماشيّاً مع الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الفيدرالية في إطار رفع دعوى قضائية ضد شركة "بي. بي" لإرغامها على التعويض عن الأضرار الفادحة التي ألحقتها البقعة النفطية بالبيئة البحرية، وبحياة المجتمعات الساحلية المتأثرة. وهناك ما يشير إلى أن شركة "بي. بي" لجأت إلى العلماء المختصين لإعداد الدفاع القانوني الذي تقدمه دفعاً للاتهامات الموجهة إليها في سياق "تقييم الضرر بالموارد الطبيعية". وبما أن هذه العملية الأخيرة ذات طابع خلافي غير متفق عليه، فمن الطبيعي أن يستغل كلا الطرفين المتنازعين في الدعوى القضائية، العلم في سياق النزاع القانوني. وبينما تسعى الإدارة الأميركية لرفع التعويضات التي ستدفعها شركة "بي. بي" عن الضرر الكبير الذي ألحقته بالبيئة البحرية، يلاحظ أن الشركة تعمل في الاتجاه الآخر الهادف إلى خفض التعويضات المالية إلى أدنى حد لها. وبالنتيجة فإن المتوقع أن تبقى معظم المعلومات التي تم الحصول عليها من خلال الرقابة والبحث العلميين داخل قاعة المحكمة، بدلاً من أن تتاح هذه المعلومات لعامة الجمهور. ولن تستطيع القاعدة الاجتماعية العريضة المتأثرة ببقعة النفط استخدام المعلومات التي تعينها لفهم التأثيرات المستمرة للبقعة النفطية. كما لن تتوافر المعلومات نفسها لصناع سياساتنا وقراراتنا حتى يتمكنوا من الاستعداد لمثل هذه الكوارث الطبيعية في المستقبل. يجدر بالذكر أن هناك من كان يأمل في الفترة المبكرة لوقوع الكارثة، أن يتم تبني خطة علمية شاملة، تعين المواطنين على فهم تأثيرات البقع النفطية على البيئة البحرية وحياة المجتمعات الساحلية. وكان القصد وراء هذا البحث العلمي العام، الدمج بين الجهود التي تبذلها الهيئات والوكالات الفيدرالية، وقدرات البحث العلمي الأكاديمي. وكانت شركة "بي. بي" طرفاً نشطاً في دعم الخطة المذكورة، إذ أعلنت في شهر مايو المنصرم عن عزمها على إطلاق مبادرة بقيمة 500 مليون دولار ومدتها خمس سنوات، تقوم على مبدأ المراجعة الندية من طرف آخر. وقد أوضحت "بي. بي" أن هذه العملية لا صلة لها بعملية "تقييم الضرر بالموارد الطبيعية". ومن الواجب أن تتاح المعلومات المتوفرة من البحث الممول من الميزانية المخصصة لهذه المبادرة لعامة الجمهور، وأن تكون خاضعة ومفتوحة أمام المراجعة الندية. ومن ناحيتنا فقد كنا على أمل أن يبنى هذا البحث ولو جزئيّاً على التوصيات الصادرة عن منتدى علمي عقد بجامعة ولاية لويزيانا في شهر يونيو المنصرم، بحضور ما يزيد على 200 باحث وعالم من مختلف الولايات الأميركية. وناقش ذلك المنتدى الاحتياجات العلمية الناشئة عن رغبة عامة في فهم تأثيرات البقعة النفطية على حياة الناس ومعيشتهم اليومية، وخاصة أن بقعة النفط تحتوي على كميات من السموم يمكنها أن تؤثر على خطوط إنتاج الغذاء في المصانع، وغيرها من التأثيرات العامة لتسرب النفط والغاز الطبيعي، المسبب للتلوث البحري. وبينما التزمت شركة "بي. بي" بتوفير مبلغ في حدود 30 في المئة مما تعهدت به، فإن المؤسف هو أن المبادرة التي أطلقتها الشركة قد علقت. وقبل ما يزيد على ستة أسابيع طلب البيت الأبيض من الشركة أن تعمل جنباً إلى جنب مع حكام الولايات الساحلية ومع الهيئات الولائية العاملة في مجالات البيئة والرعاية الصحية المحلية، بهدف تحديد الخطوات اللاحقة للمبادرة التي أطلقتها "بي. بي". ولا تزال أمتنا بحاجة ماسة إلى خطة علمية شاملة حتى تتعلم وتستطيع الاستجابة بمستوى أفضل لهذه المأساة. ويتطلب ذلك استشارة ومشاركة الأكاديميين والحكومات الفيدرالية والولائية، والمنظمات غير الحكومية، والصناعة والاستثمارات..إلى آخره. ويتعين على الحكومة الفيدرالية توفير الأموال اللازمة لتنفيذ خطة البحث العلمي هذه، على أن يكون تمويل الخطة منفصلاً عن الإجراء المتعلق بـ"الضرر بالموارد الطبيعية" حتى تتوفر الفرصة لإجراء بحث علمي مستقل وقابل للتحقق منه عبر عملية "المراجعة الندية". والواجب أن تتوافر هذه الاحتياجات الآن، قبل أن يضيع الوقت، وتتبخر البيانات والمعلومات القيمة التي يتم جمعها يوميّاً. هذا مع أن الرئيس أوباما أصدر أمراً تنفيذيّاً الأسبوع الماضي، بوضع سياسة قومية لصيانة المحيطات والسواحل والبحيرات الكبرى في أميركا. وعلى البيت الأبيض أن يعبر عن دور قيادي كهذا، فيما يتصل بالحياة الساحلية وحماية البيئة البحرية. روبرت بي جاجوشيان: رئيس Consortium for Ocean Leadership كريستوفر إف. ديليا: عميد كلية الدراسات البيئية في جامعة لويزيانا ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست"