يبدو أنّ شعار "إذا ضربتم نضرب" الذي استخدمه "حزب الله" اللبناني في احتفالاته بالذكرى الرابعة لحرب يوليو 2006، هو شعار المرحلة الذي يتبناه الإسرائيليون واللبنانيون على السواء، بل وحتى الفصائل الفلسطينية. وهذا الشعار تجسيد لتحول حدث في لبنان بعد حرب عام 2006، وفي غزة بعد عام حرب 2009/2008، وإن كان ذلك وفق اعتبارات مختلفة. لقد أدرك الإسرائيليون بعد عام 2006 صعوبة تنفيذ عمليات عسكرية في لبنان نتيجة لمجريات المعركة حينها، والأداء اللبناني وكم الأخطاء الإسرائيلية. وفي المقابل كان حجم الدمار الهائل الذي حل بلبنان سبباً في تعقيد حسابات "حزب الله" وجعله أكثر حذراً في تنفيذ أية عملية تؤدي إلى مواجهة مع الطرف الإسرائيلي. وبغض النظر عن التهديدات الإسرائيلية مؤخراً التي شملت التهديد بدمار واسع في لبنان، من خلال ادّعاء التداخل بين المناطق المدنية وبنية "حزب الله"، فإن المتتبع لردود الفعل الإسرائيلية والتفاعلات التي أعقبت الاشتباك الذي جرى بين الجيشين اللبناني والإسرائيلي يوم الثلاثاء الماضي يلاحظ مساعي إسرائيل للتهدئة والاحتواء. فالتصريحات الإسرائيلية حاولت التركيز على أنّ ما حدث كان تصرفاً فرديّاً من أفراد في الجيش اللبناني. وفي المقابل لم يحاول أمين عام "حزب الله" التلويح بعمليات هجومية، بل تمحور حديثه عن الاستعداد للرد على العدوان الإسرائيلي. وبطبيعة الحال فإنّ هذا الأداء من الجيش اللبناني سيخلط أوراقاً عديدة في الحسابات الإسرائيلية، وحتى الحياة السياسية اللبنانية الداخلية، ولكن من الواضح أنّ الجميع لبنانيّاً وإسرائيليّاً يميل للحرب النفسية والإعلامية مع تجنب المواجهة بين الطرفين. وقد تأكد في خطاب حسن نصر الله الثلاثاء الماضي، أنّ "حزب الله" يضع نصب عينيه الآن مهمة "الردع"، بعد أن انتهى التحرير في جنوب لبنان، وحتى مزارع شبعا لم تعد مبرراً للهجوم أو التصعيد. والأمر ذاته بالنسبة للفصائل في قطاع غزة، ففي مطلع هذا العام وبمناسبة مرور عام على العدوان الإسرائيلي على غزة صدرت تصريحات عن قيادات في فصائل فلسطينية تحمل ذات معنى "إذا ضربتم ضربنا". إذ قال حينها ناطق باسم "سرايا القدس"، الجناح العسكري لحركة "الجهاد الإسلامي" في قطاع غزة، لصحيفة "القدس العربي"، إن "أحداً لا يتمنى حرباً جديدة ولا يسعى إليها"، وقال "حال فرضت علينا هذه الحرب سنكون جاهزين تماماً وسنؤلم العدو الصهيوني". وقال أيضاً خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" في خطاب في دمشق، حينها، إنّه "إذا فرضت علينا الحرب سنقاتل بضراوة حتى نهزم إسرائيل إن شاء الله". كما برر سعيد موسى رئيس حركة "فتح- الانتفاضة"، أثناء زيارة إلى لبنان، رفضه جمع سلاح تنظيمه من خارج المخيمات، بأنّ "السلاح الفلسطيني خارج المخيمات هو لمواجهة العدو الصهيوني إذا كان هناك عدوان جديد على الجنوب اللبناني". إسرائيليّاً ربما يبقى خيار استخدام الاغتيالات والعمليات في غزة وضد سياسيين وناشطين فلسطينيين قائماً في الضفة الغربية وقطاع غزة وحول العالم، إذ لا تشعر إسرائيل بضغط وردع حقيقيين، ولكن الحقيقة أيضاً أنّ نتائج حرب عام 2009 أوجدت وضعاً مريحاً إلى حد كبير لإسرائيل، فـ"حماس" تحفظ الهدوء من غزة وفيها، وحتى خارجها. وبقاء "حماس" في غزة على هذا النحو يعزز الانفصال بين الضفة الغربية والقطاع، ويعقد الحسابات السياسية الفلسطينية. ومجمل هذه التصريحات تكشف تراجع فكرة دور "سلاح المقاومة" في الهجوم ومبادرة العدو بعمليات عسكرية إلى الحديث عن قوة الردع و"الحرب المفروضة"، وبالتالي فإن قواعد المواجهة تغيرت. ومن هنا فالمتوقع أن تتركز المواجهات في المرحلة المقبلة على العمل الشعبي والحرب النفسية والدبلوماسية، وإن كانت إسرائيل ستبقى تنتظر اللحظة المناسبة لاستخدام قوتها العسكرية بأقل خسائر ممكنة. Summary