الكتابة الصحافية المهنية ليست سهلة، كما يحلو للبعض، أن يرددها ويقلل منها، بل هي مهمة صعبة جداً. فهي بجانب ما تحتاجه من حس أخلاقي كبير "شرف مهنة الصحافة" بما تتطلبه من جهد لجمع المعلومات، فإنها في المقابل تحتاج إلى ثقافة كبيرة ومتنوعة لفهم الكثير من تفاصيل الخبر أو ثقافة المجتمع للتعليق عليه. والصحافي ليس مجرد ناقل للخبر أو البيان الذي توزعه الكثير من المؤسسات الحكومية، بل في أحيان كثيرة يكون مصدراً للمعلومات للعامة وللباحثين والدارسين، وذلك عندما يكون الصحافي من صنف أولئك الذين يعملون على التغطيات الميدانية، وهذه هي مهمة الصحافي الحقيقي. وهذا النوع من الصحافيين كثيراً ما تجده منتشراً في الصحافة الغربية، فمنهم متخصصون في قضايا معينة ويمتلكون معلومات تفصيلية حولها أو في مناطق جغرافية، وبالتالي يكون الواحد منهم ملماً بكل تفاصيل تلك المنطقة، ويُحسب هذا الصحافي على أنه مرجع معلوماتي فيها، لذا فإن الصحافي المهني نادراً ما يشوه المعلومة، بل يسجلها كما هي، وكثيراً ما يعمل الصحافي على تصحيح المعلومات. ومع كل هذا، فإن الأمر لا يعني عدم وجود بعض الصحافيين الذين يسيئون للعاملين فيها، وهذه طبيعة البشر، ويبقى الخطأ في تعميم الحكم من قبل البعض عندما يقللون من شأن الكتابات الصحافية، سواء في الأسلوب أو في العمل الصحفي عموماً. يكفي أن تقول في حكمك على عمل بحثي، بأنه سرد صحافي، كي تشوهه وترفضه، وتجد لنفسك حجة مقنعة لمن يجهل العمل الصحافي الحقيقي. طبيعي أن تكون لغة الصحافي أكثر بساطة، لأنها تخاطب شريحة واسعة في المجتمع، بالإضافة إلى طبيعة الجمهور المتلقي الذي يتمتع بثقافات متنوعة وبمستويات تعليمية مختلفة، ما يتطلب أن تجد لغة أقرب لهم، ولكن ليست لغة سطحية كما يحب البعض ترديدها أو غير عميقة، أو أن أسلوبها مبتذل لأن هدف الصحافي إيصال المعلومة بأبسط الأساليب وأقصر الطرق. وأعتقد أن الغرب لا يعاني كثيراً في مسألة التفريق بين اللغة الصحافية واللغة العلمية باعتبار أن التركيز عندهم يكون على تثقيف أفراد المجتمع أكثر من فصاحة المفردات. هنا يحضرني تعليق لزميل باحث يعتقد خطأً أن اللغة التي يكتب بها الصحافي لغة غير عميقة حين يقارنها باللغة التي يستخدمها الباحث ويظل يؤكد أن هذه اللغة لا ترقى إلى مصاف اللغة البحثية التي يستخدمها الباحثون في بحوثهم العلمية "الرصينة". وإذا كنا لا ننكر أن اللغة الأكاديمية التي تكتب بها البحوث تختلف عن اللغة الصحافية، لطبيعة الجمهور المتلقي أيضاً، فإنه من المجحف أن يؤدي ذلك إلى التقليل من قيمة العمل نفسه والإساءة للصحافيين ولعملهم. سلاسة اللغة وبساطتها هدف مقصود ودافع رئيسي لتشجيع العامة على القراءة، وأظن أنه سبب مهم، نظراً لتراجع القراءة في الوطن العربي والتركيز على قراءة الروايات والكتب المترجمة. هذا الحكم من الزملاء الباحثين أدى إلى أن يصف عامة الناس العمل الذي يقوم به الصحافي بأنه أقل من مستوى عمل الباحث. الصحافي، مقتنع بعمله، بل المفارقة أننا نجد الباحث هو من ترك وظيفته محاولاً الدخول في مجال الصحافة، ويزاحم أهلها، ويسمي نفسه "الباحث الصحافي"! وهذا ليس عيباً. أتفق على أن اللغة البحثية لغة أكثر علمية، ولكن من غير المنطقي إطلاقاً الاستخفاف بالعمل الصحافي كله، لأن في ذلك إجحافاً صريحاً لحق الكثيرين ممن يكتبون بلغة راقية. الباحثون الكبار يرفضون التقليل من لغة الصحافة، لأنها الأصعب على الكتابة والأسهل للناس.