خلال الشهور الستة الماضية قدنا لجنة مكونة من أعضاء من الحزبين الرئيسيين في أميركا، ممن شغلوا مناصب عسكرية وأمنية قيادية في السابق، هدفها مراجعة الوثيقة المتضمنة لخطة وزارة الدفاع الأميركية للعشرين عاماً القادمة. وهذه الوثيقة المعروفة باسم وثيقة "مراجعة الدفاع 2010 -2014" (QDR) التي صدرت هذا العام من قبل "البنتاجون"، ركزت على التهديدات التي تواجهها أميركا، وكذلك على استحقاقات كسب الحربين اللتين تخوضهما في الوقت الراهن. وكان من الطبيعي أن نتلقى بعض الإشادات على ما قمنا به من عمل وكذلك بعض الانتقادات، وبعض الاقتراحات، المتعلقة بصوغ رؤية أوسع، وطويلة الأمد، لمستقبل القوة العسكرية، والوطنية للولايات المتحدة . والموضوعات التي أوردناها في تقريرنا على درجة من الخطورة تدعونا لتقديم تحذير صريح حول عدد من المسائل هي: المخزونات المتقادمة من المعدات المستخدمة من قبل قطاعات القوات المسلحة المختلفة، وتقلص حجم السلاح البحري، وتزايد استحقاقات ومتطلبات الأفراد العاملين في القوات المسلحة، وزيادة نفقات التشغيل، ومخصصات المشتريات، والضغط المتزايد الذي تتعرض له قواتنا المسلحة جراء كل ذلك، وهي في مجملها عوامل تكشف أننا قد بتنا نواجه وضعاً ينذر بخطر داهم فيما يتعلق بموضوعات: الأفراد، واكتساب القوة، والمحافظة على هيكليتها. ونحن واثقون من قدرتنا على تغيير الوضع، وعكس اتجاهه الحالي، ولكن ذلك يتطلب تركيزاً مستمراً للإرادة السياسية من قبل الحزبين الرئيسيين. أما إذا ما تبنينا موقف "كل شيء على ما يرام" تجاه تلك الهموم، فإن ذلك يمكن أن يؤدي بنا إلى عواقب وتداعيات غير مقبولة لدى الأمة. لقد وجدنا من خلال المراجعة التي قمنا بها أن هناك فجوة بين "هيكل القوة" العسكرية -حجمها ومخزونها من المعدات- وبين المهام التي تزداد تعقيداً وانتشاراً على الدوام، والتي يتم إسنادها لتلك القوة. وحددنا في تلك الوثيقة مصالحنا القومية الدائمة، التي يجب أن تتسامى فوق كافة الخلافات الحزبية وهي: الدفاع عن أرض الوطن، وتأمين القدرة على الوصول للبحر، والجو، والفضاء، والفضاء الإلكتروني. والمحافظة على رجحان كفتنا في معادلة توازن القوى عبر أورو- آسيا، والعمل من أجل خير العالم من خلال أعمال مثل تقديم المساعدات الإنسانية، وإعانات التنمية، وجهود الإنقاذ من الكوارث. كما بادرنا أيضاً بتعريف أخطر التهديدات لتلك المصالح، والتي يحتمل بروزها خلال الجيل القادم وهي: التطرف الإسلاموي الراديكالي، وتهديد الإرهاب، والمنافسة التي تشكلها القوى الصاعدة في آسيا، والصراع المستمر من أجل القوة والنفوذ في منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط الكبير، والمنافسة الدولية المتزايدة على الموارد، والمشكلات الدائمة التي تمثلها الدول الفاشلة، أو الموشكة على الفشل. ومن ضمن التوصيات التي كلفنا بتقديمها من قبل وزير الدفاع روبرت جيتس ما يلي: - بناء هيكلية قوة بديلة مع التأكيد على زيادة حجم السلاح البحري. - إعادة رسملة، وتحديث مخزون الأسلحة والمعدات في جميع قطاعات القوات المسلحة. - زيادة قدرة وزارة الدفاع الأميركية على المساهمة في الدفاع عن التراب الوطني، والتعامل مع التهديدات التي تشكلها قوى غير نظامية وغير متكافئة معنا في القوة، بما في ذلك الهجمات التي تتم عبر الفضاء الإلكتروني. - إجراء تغييرات على سياسات استبقاء الأفراد، وترقيتهم، وتعويضهم، وتقديم التعليم العسكري المتخصص. كما ناقشت لجنتنا القدرات التي يجب على الحكومة الفيدرالية تطويرها، لحماية، وترسيخ، مصالح أميركا الدائمة. فبالإضافة إلى تطوير سياسات تجنيد، واستبقاء، وتطوير، وخدمة مصالح الأفراد النظاميين والمتطوعين، وأسرهم، نحن بحاجة أيضاً إلى زيادة القدرة العملياتية الميدانية التي تمكننا من نشر المدنيين إلى جانب العسكريين في الأوقات الحرجة التي يواجهها الوطن، والتي تمكننا من المشاركة مع المؤسسات والأجهزة الدولية، والقطاع الخاص، والمنظمات غير الحكومية، وذلك من خلال "منظور شامل" للتعامل مع الدول الفاشلة والموشكة على الفشل، والتي تتعرض مصالحنا فيها للتهديد. وقد أكد "جيتس" في هذا السياق على الحاجة إلى تخفيض تكلفة البرامج الجديدة، والوقت الذي يتطلبه تنفيذها. وعلى رغم ذلك، لا زلنا نشعر بالقلق من احتمال توجه ذلك الإصلاح نحو ذات المسار الذي مضت فيه محاولات الإصلاح السابقة، وهو مسار يمكن أن يؤدي إلى صرف أنظارنا عن أهم نقطة في هذا الموضوع برمته وهي: التحديد الدقيق للمسؤولية، ولآليات المحاسبة القادرة وحدها على تخفيض التكلفة وزيادة الكفاءة. ولاشك أن إدماج وكالاتنا الحكومية المدنية في هذه الجهود سيتطلب منا إجراء تغييرات هيكلية وثقافية في الفرعين التنفيذي والتشريعي من الحكومة. كما سنحتاج في سياق ذلك إلى تخطيط استراتيجي شامل للأمن القومي يبدأ من القمة، ويقوم بدمج جميع عناصر ومكونات القوة الوطنية، ويقدم في ذات الوقت الإرشاد المطلوب للوزارات والوكالات الحكومية ذات العلاقة، التي يجب عليها التعاون معاً، لمواجهة تحديات القرن الجديد. ونحن بحاجة كذلك إلى إدارة استراتيجية أفضل، وتخطيط أكثر شمولية، واستجابة أفضل للكوارث التي يمكن أن نتعرض لها في عالم اليوم، وهو ما يتطلب في مجمله تغييراً جوهريّاً. إن أميركا تبقى أمة في حالة حرب.. وقواتنا المسلحة تركز جهودها -وهذا هو المطلوب منها في الحقيقة- على كسب تلك الحرب. وفيما وراء الحربين في العراق وأفغانستان، فإن المستقبل يحمل فرصاً وتحديات فريدة خاصة بالقرن الجديد والواجب يحتم علينا تقديم يد العون من أجل إعداد قواتنا المسلحة للتصدي للتحديات طويلة الأمد، التي تواجهنا، وتعزيز القدرات الضرورية للتصدي لتلك التهديدات بفعالية. ويليام بيري وزير الدفاع في عهد كلينتون ستيفن هادلي مستشار الأمن القومي في عهد بوش الابن ------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست"