الآف الوثائق التي تسربت لوسائل الإعلام الأسبوع الماضي حول تطورات الحرب في أفغانستان، أثارت الشكوك مجدداً حول دور باكستان في دعم "طالبان". والروابط بين باكستان والمتطرفين معروفة جيداً بالطبع، ولكن الأميركيين بات بمقدورهم الآن أن يقرؤوا في تلك الوثائق، ما يمكن أن يستنتجوا منه مدى الصعوبة التي تواجه قواتنا في محاربة "طالبان" عندما يكون لمقاتلي هذه الحركة ملاذات عبر الحدود في باكستان، يمكن لهم فيها التدريب، والتخطيط، والتزود بالمعدات والأسلحة، والانطلاق، لمهاجمة قواتنا في أفغانستان. ووثائق "ويكيليكس" ليست دقيقة كلها، بيد أنها تؤكد على ما كان الخبراء يقولونه منذ سنوات، وهو إن باكستان تلعب لعبة شديدة التعقيد في مساعدة طالبان. والشيء الذي لم توضحه تلك المستندات هو لماذا؟ وكيف توصلنا إلى هذه الحقيقة. في استطلاعات رأي عديدة، كان الباكستانيون يقولون دائماً إنهم لا يصدقون أن أميركا حليف يمكن الوثوق به. وهم على حق في ذلك في الواقع، لأن علاقة الولايات المتحدة ببلدهم، وعلى مدى ستة عقود كانت علاقة (حب-كره)، دعمت خلالها واشنطن قائمة طويلة من الساسة، وأرسلت رسائل متضاربة حول التزامها بالديمقراطية وتقديم المساعدات. الرئيس أوباما لديه الفرصة لتغيير ذلك، وخصوصا أنه كان من ضمن منتقدي احتضان الرئيس السابق لباكستان برويز مشرف من قبل إدارة بوش، علاوة على أنه تعهد أثناء حملته الانتخابية بشن حرب بلا هوادة في أفغانستان، وملاحقة "القاعدة" في باكستان. وقد التزم أوباما بتعهده هذا حتى الآن، حيث يستخدم الطائرات التي تطير بدون طيار بمعدل أكبر من بوش، كما أرسل قوات إضافية إلى أفغانستان، وهو ما أدى إلى زيادة الشكوك في باكستان حول أن الولايات المتحدة مصممة على تحقيق النجاح بأي ثمن. وهذه الشكوك قوية للغاية لدى الجيش الباكستاني، الذي لا يثق كثيراً في أميركا من واقع خبرته التاريخية معها، حيث كان هذا الجيش يعتمد عليها في الحصول على الأسلحة لخوض حروبه، ولكن الإمداد بتلك الأسلحة كان ينقطع فجأة بقرار من واشنطن، نتيجة لأسباب مختلفة في الوقت الذي يكون في مسيس الحاجة لتلك الأسلحة. ولهذا السبب يحرص هذا الجيش على إبقاء روابطه مع "طالبان"، تحسباً للحظة يتخلى فيها الأميركيون عن القتال. كان أوباما على حق عندما وصف المنطقة الحدودية بين باكستان وأفغانستان بأنها" أخطر مكان في العالم" على المصالح الأميركية. فهذه المنطقة النائية هي مركز الحركة الجهادية العالمية. وسيناريو الحالة الأفضل هو أن تكون استراتيجية أوباما، بعد عام من الآن، قد أظهرت دلائل على تحقيق نجاح متواضع، وأن يكون زخم حركة "طالبان" في ذلك البلد قد كُسر، وبات قسم منها أكثر قبولاً للحوار مع حكومة كابول. أما في باكستان، فالمأمول أن يكون حوارنا مع حكومتها قد نجح في دفع تلك الحكومة لاتخاذ موقف أكثر صرامة ضد الإرهاب. وفقا لهذا السيناريو يمكن للولايات المتحدة و"الناتو"، البدء في تسليم المسؤوليات الأمنية تدريجيا للقوات الأفغانية. ولكن يتعين علينا أن ندرك أن القيام بذلك قد يستغرق سنوات، وأنه سيحتاج إلى وجود ملموس لقوات الناتو ـ بعد انسحاب الجزء الأكبر منها ـ لتقديم الدعم الاستخباراتي وغيره من أنواع المساعدات للأفغان. وخلال هذه العملية برمتها ستظل الولايات المتحدة بحاجة إلى شريكها الباكستاني. ولكنها يجب أن تحرص، وهي تفعل ذلك على الاستفادة من الدرس الفائق الأهمية للعقود الثلاثة الأخيرة وهو: أن الأمن والاستقرار في أفغانستان وباكستان، يرتبطان ببعضهما برباط لا ينفصم، وأن الحرب ضد المتمردين لا يمكن أن تُخاض من خلال أنصاف الإجراءات أو لفترات مؤقتة، وإنما تتطلب خططا كاملة، تستمر لفترات كافية. ولذلك فإن الوثيقة المعروفة بوثيقة"كيري - لوجار" التي وقعها الرئيس العام الماضي، والخاصة بمضاعفة المساعدات الأميركية المقدمة لباكستان ثلاث مرات على الأقل، تعتبر ملائمة تماما في هذه الظروف، وخصوصاً أن الولايات المتحدة تتعهد فيها بالالتزام بهذا الهدف لمدة خمس سنوات على الأقل. إذا لم يتحرك الموقف خلال عام من الآن في الاتجاه الصحيح، فإن الرئيس أوباما سيواجه مأزقاً. فعدم تحرك الموقف هذا سوف يعتبر بمثابة نصر لـ"القاعدة"، وسيؤدي من ناحية أخرى لزعزعة الاستقرار في أفغانستان وباكستان، ويزيد من خطر التهديد الموجه للأراضي الأميركية. في هذه الحالة، ما الذي يتعين على الرئيس أن يفعله؟ من البدائل المتاحة أمامه، تقليص الوجود الأميركي في أفغانستان وتحويله إلى مجرد مهمة لمكافحة الإرهاب على نحو شبيه بما فعله بوش خلال السنوات من 2002 – 2008. ويتحقق ذلك من خلال ترك معظم الجنوب للمتمردين والتركز في الشمال، وتحويل كابول إلى قلعة حصينة، واستخدام الشمال كقاعدة لانطلاق هجمات الطائرات التي تطير من دون طيار، ومهام القوات الخاصة بغرض تحقيق هدف رئيس هو احتواء الإرهاب بدلًا من السعي لتدمير قواعد وملاذات الإرهابيين. هذا النهج له عيوب عديدة أسوأها دون شك هو أنه لا يتضمن أي حوافز يمكن أن تدفع باكستان لقطع روابطها مع "طالبان"، بل إنها قد تدفعها لتعزيز تلك الروابط، فمن المتوقع في جميع الاحتمالات أنهم هم الذين سيسيطرون على المناطق الحدودية. هناك أشياء عديدة يمكن للولايات المتحدة القيام بها في الوقت الراهن، من أجل دعم ديمقراطية باكستان الوليدة. من ضمن هذه الأشياء: أولًا، مواصلة الالتزام بتنفيذ تعهداتنا بشأن المساعدات لباكستان وخصوصاً في مجال الأسلحة والمعدات العسكرية، وخصوصاً طائرات الهليكوبتر، التي تقول إنها بحاجة ماسة إليها لمحاربة الإرهابيين عبر الحدود. الثاني، يجب تركيز قيمة المساعدات المادية التي وعدت باكستان بتقديمها بموجب وثيقة" كيري - لوجار" في بناء مشروعات البنية الأساسية مثل الطرق السريعة خارج المدن، ومحطات الطاقة بحيث يرى الباكستانيون بأعينهم الفوائد التي قد تعود عليهم من خلال توطيد علاقات بلادهم بالولايات المتحدة. ثالثاً، يجب على الولايات المتحدة إجراء التعديلات المناسبة على تعرفتها الجمركية لمساعدة باكستان على زيادة صادرتها للولايات المتحدة من المنسوجات وغيرها من السلع. يجب ألا يكون لدى الولايات المتحدة أدنى شك في أهمية علاقتها مع باكستان، وعليها أن تدرك أن ذلك البلد، وإنْ كان هو أهم شركائنا في الحرب ضد "القاعدة"، فإنه في الوقت نفسه أكثر حلفائنا صعوبة في التعامل. لذلك يجب علينا أن نظل مفتوحي الأعين، وفي الوقت نفسه متسقين في وعودنا تجاه إسلام أباد. -------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة" إم.سي.تي إنترناشيونال"