مر الآن أكثر من عام على خطاب أوباما في القاهرة الموجه إلى العالم الإسلامي، حيث عبر عن تطلعه إلى "بداية جديدة بين الولايات المتحدة والمسلمين حول العالم، ترتكز على المصلحة والاحترام المتبادلين". إلا أن الأمل الذي أنعشه خطاب أوباما تحوّل إلى خيبة أمل عندما أدرك الناس أن تحويل الوعود إلى واقع ليس سهل التحقيق. وفي الوقت الذي يتعين فيه تهنئته على جهوده لتحويل طروحات السياسة الأميركية نحو العالم الإسلامي، من الواضح أن الناس ما زالوا يتوقعون منه أكثر من مجرد البيانات والتصريحات. ومن الحيوي إعادة استحضار الروح الجديدة التي رافقت خطاب أوباما لنبحث معاً كيف يمكننا تحويلها إلى برامج عملية تجسر مفهوم الحوار بشراكات حقيقية وفاعلة بين الشرق والغرب. وأعتقد أن هناك العديد من الأساليب التي يمكن أن تساعد على تشكيل شراكة بناءة وملتزمة بين العالم الإسلامي والولايات المتحدة. ويعلمنا القرآن الكريم: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا". وعندما يقول الله سبحانه وتعالى: "لتعارفوا" فهو لا يعني أبداً أن تقتلوا بعضكم بعضاً. وقد منعت جميع الديانات قتل الأبرياء، بل أمرتنا بأن نتعاون بأسلوب بنّاء. تعتبر الحاجة إلى الحوار بين الشعوب من أتباع الديانات والثقافات المختلفة أعظم بكثير اليوم نظراً للمشاكل التي نواجهها في العلاقات بين شعوب العالم ومجتمعاته. وينبع الحوار من إدراك الهويات والخصوصيات. ويؤكد القرآن الكريم أن جمال العالم يكمن في تعدديته العرقية والدينية، وإلا لما خلقه الله على هذه الصورة. ويشكل الحوار البنّاء بالتأكيد أداة قوية في منع النزاعات وإدارتها وحلّها. ولكننا ما زلنا بحاجة لأن نعمل بجد على جبهات عديدة، فهناك على سبيل المثال حاجة ملحّة لتشجيع قيم التنوع الثقافي من خلال التعليم. ويتعين علينا تقوية الأنظمة التعليمية بمنظور أوسع حتى يستفيد صغار السن من التنوع الثقافي ويقبلوا "الآخر". وكذلك علينا أن نحاول جهدنا لتوضيح مجالات سوء الفهم وسوء التفسير، اللذين قد يؤثران أحياناً بطريقة سلبية على توجهاتنا نحو الآخر. ويتعين بحث هذه الأمور بصدق، وبذل الجهود المناسبة لفهم الأبعاد والديناميات التاريخية والدينية والثقافية الأوسع. ولا يمكن تحقيق ذلك إلا في بيئة تحترم الشرعية الدولية والتعدد الديني والتقاليد الثقافية للشعوب. ويجب أن ينبع أي إصلاح من الواقع المجتمعي والخصوصيات الثقافية والدينية، إذ لا يمكن ببساطة فرض الإصلاح من الخارج. ومن الضروري أيضاً أن تكون السياسة الخارجية المتوازنة هي أساس تحسين العلاقات بين الشرق والغرب. وبالنسبة للعالم الإسلامي، وبالذات مجتمع رجال الدين فيه، من الأهمية بمكان أن يسود حكم القانون في أوقات النزاع. وهناك حاجة لتطبيق ذلك وبشكل فوري في أوساط الرأي العالمي الإسلامي، في النزاع الفلسطيني/ الإسرائيلي لإزالة المعاناة التي طال أمدها عن الشعب الفلسطيني. وإضافة إلى ذلك يعتبر السلام العادل ضرورة لنجاح أية مبادرة تسعى لتحقيق تقارب حقيقي وصادق بين الولايات المتحدة والعالمين العربي والإسلامي. وتقع مسؤولية تحسين العلاقة بين العالم الإسلامي والولايات المتحدة على كلا الجانبين معاً. وأشعر بأن ذلك ممكن بل هو في الواقع الأسلوب الوحيد لبناء عالم أكثر إشراقاً وازدهاراً لأطفالنا، ولأجيالنا اللاحقة. ومع التعاون والتسامح والاحترام، أنا على يقين راسخ بأنه لا توجد أية مهمة مستحيلة. د. علي جمعة مفتي مصر ينشر بترتيب مع خدمة "كومون جراوند"