نشرت مجلة (Foreign Affairs) في عددها الأخير (لشهري يوليو/أغسطس) 2010 قائمة بأسماء أسوأ 23 زعيماً في العالم. ولم تخلُ القائمة، للأسف الشديد، من ذكر أسماء حكام عرب اعتبرتهم المجلة ضمن الحكام السيئين، وهم في رأيها من الطغاة. ولن نتعرض لأسماء الزعماء الذين صنفتهم المجلة، لاعتبارات كثيرة، ولكن سنعرّج على ملامح وشواهد حكم بعض هؤلاء الزعماء -على مستوى العالم- وما مارسوه من ظلم وفساد وطغيان ضد شعوبهم. والأغرب أن القائمة ضمت زعماء كانوا في السابق مناضلين ومكافحين ضد الاستعمار، وكانوا يعدون من المطالبين بالحريات. ولكن لما تمكنوا من السلطة تحولوا إلى سياسات القوة والقسوة. ومن نماذج الممارسات التي أفاضت المجلة في نسبتها لـ"الحكام السيئين"، وفق تصنيفها، والعُهدة عليها في ذلك: • زعيم عربي قتلَ المعارضين بقسوة. حيث اتُهم بقتل الملايين من أبناء شعبه! واعتُبرت أعمالهُ من جرائم العصر، وأنه متسلط ومصاب بجنون العظمة! • زعيم عربي مُستبد ويعاني من داء العظمة، ولا يهمه سوى أن يستمر في الحكم. كما أنه لا يحب معارضيه، ولا يؤمن إلا بتلميع صورته في الإعلام. • زعيم عربي آخر متسلط، بعثرَ ميزانية بلاده على سياسات خارجية وتدخلات في الشؤون الداخلية لدول الجوار! في الوقت الذي أهمل فيه الشأن الداخلي، وقام بدعم جهازه الحكومي ليتحكم في كل مقدرات البلاد دون منازع. وللأسف، نظامه يدعي أنه جمهوري! • زعيم آسيوي مارسَ القمع السياسي، وتصفيه المعارضين له، واتهام أي معارض بأنه "متطرف إسلامي"، وسنَّ قانون التعذيب السياسي داخل السجون التي تعج بمعارضيه. • زعيم أفريقي استولى على الأموال العامة وقام بتحويلها إلى حساباته في الخارج، إضافة إلى امتلاكه لعدد من العقارات في أميركا ولندن! بل إن بعض أفراد نظامه يحصلون على إعانات خارجية تقدر بنحو مليار دولار سنويّاً. • زعيم أميركي جنوبي يتغنى بالديمقراطية، ويُعتبر رمزاً لها في أميركا الجنوبية، لكنه سجَنَ كل أفراد المعارضة، وأعلن نفسه زعيماً مدى الدهر، كما قام بإغلاق كل وسائل الإعلام المستقلة. • زعيم أفريقي قضى في السلطة أكثر من عقدين متواصلين من الزمن، ووصفته المجلة بالطاغية، الذي ليست لديه رؤية أو أجندة، ويكتفي فقط بتصفية معارضيه واعتقال الخارجين عليه. • زعيم أفريقي آخر قضى في السلطة سنين مديدة وصفته المجلة بأنه آكل للأموال العامة مهذب، بعدما جمع ثروة شخصية تقدر بنحو 200 مليون دولار، بخلاف العقارات. وقام بتعديل القوانين الداخلية في بلده وشطب منها المواد التي تحدد فترات الرئاسة، لضمان بقائه في الحكم أطول فترة ممكنة. هذه إذن عينة من زعماء يتحكمون في مصير نحو ملياري نسمة من البشر، الذين كرّمهم الله، ونادت المواثيق الدولية بحمايتهم ورعايتهم وتوفير أعلى درجات الحياة الآدمية لهم. ولكن قد نجدهم الآن تحت خط الفقر، وقد نجدهم ثانيّاً يعانون الخوف، والبطالة، والفقر، وغياب الحريات، والقمع الفكري، والسجن دون محاكمات، والأمية، والتخلف، والإقصاء الإثني، وغيرها من عاهات العالم الثالث. كما نلاحظ أن أغلب "العينات" التي أوردتها المجلة كانت من آسيا وأفريقيا وأميركا الجنوبية! وهذا يثبت أن غياب الانفتاح والإصلاح والديمقراطية يعتبر سبباً مهمّاً من أسباب الطغيان وانعدام العدالة! أنا لا أتصور أن ينام زعيم، ويهنأ في نومه، بينما الملايين أو قل مئات الآلاف من أبناء شعبه مشردون في العراء، أو أن يرسل لهم الجيش كي يسحقهم دون ذنب سوى أنهم يطالبون بحقوقهم التي تضمنها لهم الدساتير والمواثيق الدولية. أنا لا أتصور كيف يستلذ زعيم بأفخر أنواع الأطعمة، وينام في الحرير، بينما يجوع شعبه أو يتسول أو يتحول إلى مشردين أو مدمني مخدرات! ويعاني هذا الشعب برد الشتاء وغضب الصيف! أنا لا أتصور كيف يمكن أن يحكم زعيم باسمه واسم نظامه لا باسم المصلحة العامة، والقانون! كما يفعل بعض الحكام الذين حصرتهم المجلة المذكورة. وكيف لا يسمع أنّات أفراد شعبه، ولا يسأل عن أحوالهم في السجون، وأنواع المكابدات المعيشية التي قد يتعرضون لها. ولا يعدّل القوانين التي قد تستبيح حريات الناس وأعراضهم، في الوقت الذي قد تعزز فيه القوانين قوة النظام ورجاله. صحيح أن في العالم النامي أمراضاً عديدة، ولكن على الحكام أن يعالجوها! إن بلاداً مثل ماليزيا، وكوريا، واليابان، وإندونيسيا، وسنغافورة، وتايلاند، كانت ضمن نطاق الفقر والعوز والجريمة والتخلف، ولكن قياداتها التي آمنت بالإصلاح، هي التي أخرجتها من دائرة التخلف والمرض والخوف! وهي التي هيأت لها الحياة الكريمة، وحفظت لها الأمن والاستقرار والعدالة، كما ضمنت لها حقوقها الدستورية في الديمقراطية والشفافية وحرية التعبير. إن العالم يتجه نحو تفعيل دور التعددية في خدمة المصلحة العامة والشراكة فيها، وهذا النوع من الشراكات لا ينتعش في مناخ أحادي الرأي، أو مستعد لقمع وكبت أي تحرك إنساني! إن الأنظمة القمعية ينبغي أن تتجاوز ذاتها وسلبياتها؛ بحيث تسود العدالة الحافظة للكرامة الإنسانية ولحقوق الناس في أوطانهم وثرواتهم ومستقبل أبنائهم. ولذا لا يجوز أن تسيطر مجموعة من أعوان الزعيم ومؤيديه على مقدرات الشعوب. نعم ينبغي أن يتم الحكم وفق إطار تعاقدي حضاري، وتُلغى كل القوانين التي تحط من الكرامة الإنسانية، أو التي تضيّع حقوق الناس، أو تشطر المجتمع إلى فئات وإثنيات وأصحاب كرامات وأصحاب مَنافٍ! وهذا الإطار التعاقدي هو صمام الأمان في حال الاختلاف، وهو الذي يؤسس للشراكة بين الزعيم وشعبه. لا أن يفرضه الزعيم بـ"فرمان" فردي، فيُدخل من يشاء في "نعمته"، ويدخل من يشاء في "نقمته"! ويرى كثير من المُنظرين السياسيين أن الحكم التعاقدي هو الذي يضمن العدالة والشفافية، وأن تتحقق الفرص المتكافئة للجميع، دون تصنيفهم حسب أفكارهم أو أصولهم! ويصل الشعب إلى اختيار نوابه في البرلمان كي يراقبوا عمل الإدارة التنفيذية ويقوّموا اعوجاجَها إن حصل؛ ويشدّوا على يدها إن هي أصابت. نعم ليعش الحكام المصلحون الأوفياء، وبعضهم قد رحل لكنه ما زال يعيش وسطنا بعدله ومكارمه وأياديه البيضاء على شعبه وأمته وعلى الإنسانية جمعاء -وهو المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة الذي امتلك قلباً كبيراً وحبّاً جمّاً للإنسانية جمعاء؛ ما جعل الجميع يُجمع على مدى حبه لوطنه وشعبه وللسلام وعمل الخير.