أحدث شريط الفيديو الذي تم تصوير نتنياهو فيه وهو في حفل اجتماعي مع بعض أسر المصابين الإسرائيليين صدى محدوداً في العالم العربي. وأعتقد أن هذا الشريط الذي أذاعته القناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيلي يوم 2010/7/16 بعد أن حصلت عليه من أحد الحاضرين في الحفل الذي جرى عام 2001، يجب أن يخضع للدراسة العربية المستفيضة. لقد أشارت إليه صحيفة "واشنطن بوست" باعتباره كشفاً عن خفايا تفكير نتنياهو، في الشريط الذي لم يكن نتنياهو يعلم أنه يسجل له تناول مسألتين الأولى العلاقة مع أميركا والثانية موقفه من اتفاقية أوسلو في الفترة التي تولى فيها رئاسة الوزراء للمرة الأولى بين عامي 1996 و1999. عندما كتبت مقال الأحد الماضي المعنون بـ "وعود نتنياهو الكاذبة"، لم أكن أتصور أن مثل هذا الشريط موجود، وأنه سيذاع ليؤكد بلسان نتنياهو نفسه صحة ما توصلت إليه في تحليلي من أنه يطلق الوعود الكاذبة منذ أيام الرئيس الأميركي بيل كلينتون حماية لأطماعه التوسعية من الضغوط الدولية وخاصة الأميركية، وأن وعوده حول عملية السلام التي أطلقها في أعقاب لقائه مع أوباما لن تكون استثناء من منهج الكذب والخداع والتضليل الذي يستخدمه. قال نتنياهو حول علاقته مع أميركا: "أنا أعرف جيداً ما هي أميركا، إنها الشيء الذي يمكن أن يتحرك بسهولة جداً، ويمكن تحويله إلى الموقف الصحيح، والأميركيون لا يمكنهم الوقوف في طريقنا ولن يفعلوا". هذه الكلمات تعكس معرفة نتنياهو الذي عاش في الولايات المتحدة وحصل على درجته الجامعية منها، بدور جماعات الضغط اليهودية وقدرتها على التأثير في اتجاهات وقرارات الإدارات الأميركية، ولاشك أن هذه الكلمات، قد أحدثت صدمة في إدارة أوباما التي أغدقت الثناء على نتنياهو باعتباره رجلاً يريد السلام. مبعث الصدمة يكمن في أن نتنياهو في هذا الشريط قد كشف قواعد اللعبة التي افترضت في التحليل السابق أن الرئيس الأميركي على وعي بها عندما قلت "من المرجح أن الرئيس الأميركي بدوره يدرك لعبة الوعود المعسولة غير أنه اضطر لابتلاعها حتى لا يؤثر على انتخابات الكونجرس". أما عن موقفه الفعلي من عملية السلام واتفاقية أوسلو، فقد تباهى نتنياهو في الشريط الذي سجل بعد خروجه الأول من رئاسة الوزراء بأنه استطاع تدمير عملية السلام التي انطلقت باتفاقية أوسلو أثناء توليه المنصب رغم الاهتمام الذي كان يبديه الرئيس كلينتون بالتقدم في العملية. إن الطريقة التي سلكها نتنياهو إلى هذه النتيجة تمثلت في أراحة أعصاب الرئيس كلينتون بالوعود المعسولة لتجنب الصدام مع الإدارة من ناحية وتمرير برامجه السياسية القائمة على أساس أيديولوجيته الصهيونية التوسعية. في ضوء هذا الفهم الواضح من جانبنا لمنهج نتنياهو أعتقد أن مد حبال الصبر له من جانب السلطة الفلسطينية وجامعة الدول العربية لن يؤدي إلا إلى مساعدته على تطبيق لعبة لخداع والوعود المعسولة الزائفة. مطالبة نتنياهو للسلطة بالانتقال من المفاوضات غير المباشرة إلى المفاوضات المباشرة هي استثمار مشروع من جانبه لنجاحه في الضغط على أوباما ومحاصرته باللوبي اليهودي في فترة انتخابية. السؤال المهم الآن هل تستطيع جامعة الدول العربية بقوة العرب المجتمعة أن تجد بديلاً حقيقياً لإرغام نتنياهو على سلك طريق آخر غير طريق الخداع الذي اعترف به على الملأ. أقترح بديلاً هو التوجه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة حيث لدينا رصيد من تأييد أغلبية الدول لاستصدار قرار تحت صيغة "الاتحاد من أجل السلم" بإنهاء الاحتلال والاعتراف بقيام الدولة الفلسطينية.