من النادر أن نشهد في أميركا حملة انتخابية تفتقد للزخم والحدة، لكن وخلال الشهر القادم يُنتظر أن تقدم أستراليا اختباراً للموضوعات الأساسية التي من المتوقع أن تطفو على السطح في انتخابات التجديد النصفي الأميركية لشهر نوفمبر المقبل. وبإلقاء نظرة على الساحة السياسية الأسترالية، نجد دعوة رئيسة الحكومة "جوليا جيلارد" التي صعدت إلى السلطة بعد سقوط سلفها من نفس الحزب "كيفين رود"، إلى انتخابات مبكرة ستجرى في 21 أغسطس المقبل، وفي تلك الانتخابات سيستخدم حزب "العمال"، الذي تنتمي إليه رئيسة الوزراء مقولة رئيسية على مدار الحملة الانتخابية، يحاول "الديمقراطيون" في الولايات المتحدة استنساخها والاستفادة منها في مسعاهم للحفاظ على مقاعدهم في الكونجرس، ومنع "الجمهوريين" من التقدم عليهم في استطلاعات الرأي. والحقيقة أن تصريحات جيلارد التي افتتحت بها الحملة الانتخابية لم تدع مجالاً للشك أو الغموض بشأن رسالة حزب "العمال" عندما قالت "ستتمحور هذه الانتخابات حول خيار واضح بين ما إذا كنا نريد لأستراليا أن تمضي قدماً، أو ترجع إلى الوراء"، وفي دقيقة و41 ثانية استخدمت "جيلارد" ستة تنويعات أسلوبية "للمضي قدماً"، فيما استعملت أربعة تنويعات لـ"الرجوع إلى الوراء"، وهكذا يختزل شعار الحزب "العمالي" في أستراليا "لنمضِ بأستراليا قدماً" رسالة واضحة تقول إن الأستراليين لا يرغبون في العودة إلى "المحافظين" الذين حكموا البلاد لإحدى عشرة سنة قبل صعود حزب "العمال" عام 2007، وبالمثل ستكون كلمة "بوش" إحدى العبارات المفضلة والأكثر تكراراً في تصريحات "الديمقراطيين" في أميركا، بحيث يسعى الحزب "الديمقراطي" خلال الفترة التي تفصلنا عن انتخابات الكونجرس إلى إقناع الناخبين بالتعامل مع أصواتهم أثناء انتخابات التجديد النصفي لا على أساس تقييم القيادة الحالية، بل مقارنتها بالعهد السابق، ليبرز الخيار واضحاً أيضاً أمام الأميركيين بين المضي قدماً والسير إلى الأمام، وبين الرجوع القهقرى إلى فترة بوش. وقد ساعدت سلسلة من الأخطاء التكتيكية التي ارتكبها "الجمهوريون" على مدار الأسبوع الماضي في إعادة تركة بوش إلى واجهة النقاش السياسي وإدخالها في صلب الحملة الانتخابية الجارية على قدم وساق، فعندما شن "الجمهوريون" هجومهم على خصومهم السياسيين، ودعوا إلى تجديد سياسة خفض الضرائب على الأغنياء، التي جاء بها بوش أتاحوا فرصة ذهبية لـ"الديمقراطيين" لانتقاد إحدى الإجراءات الأقل شعبية للرئيس بوش، وعندما دافع في الأسبوع الماضي زعماء لجنة الحملة الانتخابية للحزب "الجمهوري" داخل مجلسي النواب والشيوخ، وهما السيناتور "بيت سيشن" و"جون كورنين" عن سجل الرئيس بوش خلال برنامج تلفزيوني يحظى بمتابعة واسعة انقض "الديمقراطيون" على الفرصة لإيصال رسالتهم إلى الشعب الأميركي وصياغة حملتهم في إطار الخيار بين بوش وأوباما، وقد سارعوا إلى وضع إعلان على الإنترنت يقتبس من "سيشن"، إمعاناً في ترسيخ فكرة الخيار، قوله "نحن نحتاج إلى العودة إلى الأجندة السابقة كما كانت بالضبط"، مشيرين إلى أن الأجندة التي تحدث عنها النائب "الجمهوري" تعني أجندة بوش، ومع أن بعض "الجمهوريين" سعوا إلى تدارك الخطأ بتأكيدهم أن النائب لم يكن يلمح إلى بوش خلال الإدلاء بتصريحه، إلا أن خطاب "سيشن" كان واضحاً عندما قال في البرنامج نفسه: (لم يكن الناس يعانون من البطالة في السابق، ليس لأن "الجمهوريين" كانوا يحكمون، بل لأن بوش كان رئيساً). وبالنظر إلى استطلاعات الرأي التي تؤكد أن الأميركيين يحملون مسؤولية الأزمة الاقتصادية للرئيس بوش بدلًا من أوباما، فإن هذه التصريحات التي يدلي بها "الجمهوريون" سيكون لها ثمن باهظ. فهل يُكتب لهذا الخيار بين التقدم إلى الأمام والرجوع إلى الوراء النجاح؟ هذا ما ستبينه التجربة الأسترالية والحملة التي تقودها "جيلارد"، لكن المشكلة بالنسبة لـ"الديمقراطيين" أن الوضع في أستراليا أفضل حالًا مما هو عليه في أميركا، فحزب "العمال" الأسترالي في موقف مريح مقارنة بـ"الديمقراطيين" الأميركيين، وذلك بفضل الأداء الاقتصادي الجيد، وعدم الدخول قط في مرحلة الركود، كما أن معدل البطالة في أستراليا لم يتجاوز 2.5 في المئة، هذا الوضع المتميز يدفعنا للتساؤل عن سبب الإطاحة برئيس الحكومة العمالي "كيفين رود"، وهو تساؤل نجد الإجابة عليه في السياسات غير الشعبية التي انتهجها "رود" وهوت بشعبيته إلى الحضيض مثل تشريع مثير للجدل حول تقييد الانبعاثات، والضريبة التي فرضها على أرباح المناجم ما زرع الرعب في نفوس زملائه داخل الحزب ودفعه بسبب افتقاده لقاعدة حزبية قوية إلى التنحي لصالح نائبته "جيلارد" التي سارعت للإعلان عن انتخابات مبكرة لتكريس شرعيتها، وبالطبع كان لهذا التغيير على مستوى القمة في حزب "العمال" دور في وقف زخم المعارضة التي يمثلها الحزب الليبرالي، (وهو ما يوازي في أميركا الحزب المحافظ)، وتحجيم تطلعات قائده "توني آبوت"، والمفارقة أن هذا الأخير يرفع حزبه المحافظ نفس الشعارات التي يستخدمها "الجمهوريون" في أميركا كما يوضحه ذلك آخر إعلان نشره الحزب الليبرالي ويقول فيه "مزيد من حزب العمال يعني مزيداً من التبذير، ومزيد من الديون يعني مزيداً من الضرائب"، إلا أن هذه الشعارات لم تمنع "جيلارد" من تصدر استطلاعات الرأي التي تشير إلى تفوقها على خصومها؛ فهل تسير أميركا على خطى أستراليا؟ ليس بالضرورة، لكن وعلى مدى العقد الأخير تطابقت السياسات في البلدين، فقد كان وصول "رود" إلى السلطة في العام 2007 إيذاناً بانتصار أوباما، لذا فإنه عندما يقول "الديمقراطيون" إن انتخابات الكونجرس تدور حول التقدم إلى الأمام، أو الرجوع إلى الوراء عليهم أن يُومئوا برؤوسهم احتراماً لرئيسة الوزراء جوليا جيلارد. إي جي ديون ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست"