عندما يقل متوسط نصيب الفرد من الموارد المائية عن 1000 متر مكعب سنويّاً في منطقة ما من العالم فإن هذه المنطقة تصنّف منطقة تحت خط الفقر المائي، وعندما ينخفض نصيب الفرد عن 500 متر مكعب سنويّاً فإن المنطقة تصنّف ضمن الدول والمناطق التي تعاني ندرة حادة في مصادر المياه، أو يمكن أن نطلق عليها تجاوزاً أنها دولة أو منطقة تحت "خط الفقر المدقع للمياه"، ولكنْ أن يقل نصيب الفرد كثيراً عن خط الفقر المدقع ذلك، فهذا يدل على أن تلك الدولة أو المنطقة تعاني وضعاً مائيّاً مترديّاً، ولعل هذا هو الوضع في دول "مجلس التعاون"، التي يقدّر نصيب الفرد من سكانها من المياه بنحو 100 متر مكعب سنويّاً. وينطبق هذا الحكم بالطبع على الإمارات التي تواجه تحديّاً مائيّاً في الوقت الحالي، فهي من ناحية تعاني ندرة شديدة في موارد المياه، ما يضطر الدولة إلى الاعتماد على تحلية مياه البحر باهظة التكاليف لتأمين نحو (80%) من احتياجاتنا المائية، ولكنها من الناحية الأخرى تعاني إسرافاً مبالغاً فيه في استهلاك المياه، هذا المورد الحيوي، إذ يبلغ متوسط استهلاك الفرد من المياه بها نحو 550 لتراً يوميّاً، وهو ما وضعها وفقاً لتصنيف منظمة "الأمم المتحدة" في المرتبة الأولى عالميّاً في هذا الشأن. وتعني هذه البيانات أن الاستهلاك الفعلي للفرد من المياه في دولة الإمارات يبلغ نحو (200) متر مكعب سنويّاً، أي ضعف نصيب الفرد السنوي من موارد المياه المتاحة في الدولة، ويدل ذلك على مدى الاستنزاف الذي يتعرض له هذا المورد الحيوي، الذي يعدّ المصدر الأساسي والرئيسي للحياة، والمكوِّن الذي لا غنى عنه لمختلف الأنشطة المعيشية والاقتصادية بمختلف أشكالها وأنماطها ومستوى تقدمها، ويمثل هذا الاستنزاف بالطبع تهديداً مباشراً لمستقبل التنمية في الدولة وفي منطقة الخليج العربية كلها، فوفقاً لمستويات الاستهلاك الحالية لا يتوقع أن تكفي الموارد المائية التي تمتلكها منطقة الخليج بما فيها دولة الإمارات أكثر من نحو (67%) من السكان بحلول عام 2015. ويولّد هذا الإسراف في استخدام المياه مسؤوليات إضافية على حكومات دول "مجلس التعاون"، ما ينسحب على دولة الإمـارات بحكم كونها صاحبة المعدل الأعلى لاستهلاك المياه، فالاستخدام غير الكفء لهذا المورد يضع الجهات المعنية تحت ضغوط صعبة، لتجد نفسها مجبرة دائماً على تخصيص نسب لا يستهان بها من ميزانياتها لتنفيذ مشروعات جديدة لتوفير المياه، في الوقت الذي لا تملك فيه الكثير من الخيارات في هذا الشأن، فهي تعتمد بشكل شبه كلي على تحلية مياه البحر، في الوقت الذي تتزايد فيه تكلفة هذه التحلية سنويّاً، كما تضطر الحكومة إلى التنقيب عن مخزونات جديدة للمياه الجوفية ومن ثم التوسّع في استخراج هذا المورد بشكل جائر، وهو ما يكون له العديد من الآثار السلبية المتمثلة في استنزاف هذا المخزون بشكل لا يسمح له بإعادة التكوين ومن ثم حرمان الأجيال القادمة من حقوقها فيه، بالإضافة إلى الإضرار بالتوازن البيئي. وفي هذا الصدد فإن دولة الإمارات بحاجة ماسة إلى وقفة جدية لإعادة هيكلة هذه الأوضاع عبر اتّباع شتى السبل المتعارف عليها عالميّاً في مجال ترشيد استخدام المياه، بما يتضمنه من استخدامات معيشية للأفراد واستخدامات أخرى في الأنشطة الصناعية والتجارية والخدمية، لصيانة هذا المورد الحيوي الذي لا تستقيم الحياة والتنمية من دونه. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية