تظهر الوقائع السياسية اليومية نجاح إسرائيل في استيعاب الضربات التي وجهت لها والأزمات التي تتخبط فيها إنْ على المستوى الداخلي أو في إطار العلاقات مع تركيا وامتداداً مع بعض دول الغرب، التي أدانت تصرفها ضد "أسطول الحرية" لفك الحصار عن غزة، أو في إطار العلاقات مع أميركا خصوصاً، ومع ما يسمى بالمجتمع الدولي الذي طالبها بفك الحصار وبالالتزام بمعاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية. استطاعت إسرائيل التفلّت من إدانة جيشها بقتل عناصر تركية مدنية على متن سفينة "مرمرا"، ومن مواجهة تحقيق دولي في الجريمة. ولم تقدم إسرائيل اعتذاراً لتركيا حتى الآن، ونجحت زيارة نتنياهو الأخيرة إلى واشنطن، وحققت أهدافاً استراتيجية ظهرت بسرعة في الاندفاعة الأميركية الجديدة لتغطية الموقف الإسرائيلي بالكامل. ففي الوقت الذي كان ينتظر فيه البعض ضغطاً أميركياً على نتنياهو لتفعيل المفاوضات مع الفلسطينيين والوصول على الأقل إلى تفاهمات، والدفع في اتجاه تجديد المفاوضات ولو غير المباشرة مع سوريا عبر تركيا، وبالرغم من زيارة الموفد الأميركي جورج ميتشل إلى المنطقة – وهو لم يحقق شيئاً – فإن المسؤولين الأميركيين قالوا بوضوح تام: "لا سلام في المنطقة، إذا لم يدرك الجميع التزامنا بأمن إسرائيل". هذا ما عبّر عنه "أندرو شابيرو" أبرز مسؤولي الإدارة الأميركية. وأضاف: "إن الولايات المتحدة ستقف دائماً إلى جانب أمن إسرائيل"! وجاءت دراسة مجلس العلاقات الخارجية الأميركي لتهاجم سوريا وتتحدث عن احتمال حرب بين إسرائيل و"حزب الله" ولترسم سيناريو ما بعد الحرب"... كأن ثمة من رسم خطة الحرب ومعها خطة ما بعد الحرب "للتحضير لإمكان طرح مبادرات دبلوماسية بعد الحرب وإمكان استغلال النزاع في لبنان للإعلان عن مبادرة لتوسيع عملية السلام"! الكلام واضح، ستكون حرب. وبعد الحرب نتحدث. وقبل الحرب وبعدها: نحن ملتزمون بأمن إسرائيل وسنقف إلى جانبها. إذاً: أي سلام هذا؟ ومن أين يأتي السلام؟ وكيف يمكن توسيع عملية السلام؟ أ من خلال توسيع العملية الحربية الإرهابية؟ أي توسيع دائرة الحرب لتشمل فلسطين ولبنان وتصل الاعتداءات إلى سوريا؟ وماذا إذا تطلعنا إلى الموقف الإسرائيلي المتشدد والتصعيدي والذي بلغ حدّ دعوة أفيغدور ليبرمان مسؤول إرهاب الدبلوماسية ودبلوماسية الإرهاب، إلى فصل غزة عن الأراضي الفلسطينية بعد دعوته السابقة مباشرة إلى مبادلة الأرض بالسكان، وفي كل ذلك إشارات واضحة إلى تهجير العدد الأكبر من الفلسطينيين في الداخل، وإلى التنصل من مسؤولية ما يجري في غزة وتركها مكشوفة أمام كل الاحتمالات مع العمل على انتزاع اعتراف دولي بأن الاحتلال قد رفع عن غزة مقابل توريط دول أوروبية، وربما عربية في مراقبة الحدود البرية والبحرية وتحميلها المسؤولية والتحصّن بحق الرد "والدفاع عن النفس"! ويظهر هذا المشهد التناغم الأميركي – الإسرائيلي الكامل مع إقرار باحثين وسياسيين وأمنيين أميركيين بتقدم الموقع الإسرائيلي في العلاقات الأميركية – الإسرائيلية، وتعثر مسيرة الرئيس أوباما وعدم قدرته على التأثير على إسرائيل للوصول إلى تسوية ما في المنطقة. وهذا المشهد يعني أيضاً أننا مقبلون على أشهر صعبة خصوصاً وأن الإسرائيليين دخلوا على خطوط شبكات الخلوي في لبنان، وأمسكوا بزمام المراقبة الكاملة لتحركات السياسيين والأمنيين اللبنانيين، ودخلوا على خط اليونيفيل وتجاوزها في وجه اللبنانيين للقرار 1701، وتقاعسها عن حمايتهم من الإرهاب الإسرائيلي، استناداً إلى القرار ذاته، كما دخلوا على خط المحكمة الدولية ليسعروا الخلاف بين اللبنانيين ويصبغوا المحكمة بصبغة تلائمهم! وإسرائيل عدوّنا. وهي تريد كل الشر لنا، هذا مفهوم وواضح ويتأكد كل يوم، فماذا نفعل نحن؟ لا يجوز الاكتفاء بقراءة الأحداث والتحذير من المخاطر، أو البقاء في دائرة التحليل مترقبين الحرب، دون أن نفعل شيئاً لأننا مسلّمون أن الأمور ليست في يدنا، أو كما يقال "فلتت من أيادينا"، وعاد لبنان مجدداً، ساحة لـ"لعبة الأمم،" أو لصراع الدول وتصفية حساباتها على حسابنا. وهذا معطوف على موقف فلسطيني منقسم، وعلى سودان مهدد بالتقسيم، وبوادر مشكلات أخرى تطل من اليمن، ووضع متدهور في العراق حيث لا حكومة، وصراعات مذهبية وفئوية وحسابات مبنية على هذه الصراعات وأبعادها، معطوفة على قرار العقوبات ضد إيران، وحسابات هذه الدولة في محيطها وأبعد. أقل الأمور أن نقرأ بشكل صحيح المعادلة القائمة والتوقعات المرتقبة، ثم أن تكون رؤيا لمواجهتها، وأن يكون لدينا القرار والإرادة وإلا سنصبح أمام أمر واقع جديد تفرض فيه إسرائيل وأميركا شروطهما علينا في كل مكان.