لا أعرف في الاقتصاد إلا كما أعرف في علم الذرة، لا شيء تقريباً، لكن الذي أعرفه أن فلوسي دفعت عجلة الاقتصاد، فحين وصلني كشف الحساب البنكي أخذت أهز رأسي، لأنني خسرت نصف مدّخراتي بفضل الإجازة السنوية التي تمتعتُ بها مؤخراً. نحو 120 ألف درهم ادّخرتها خلال أكثر من سنتي عمل، تبخّرت خلال أقل من شهري إجازة. نصف المبلغ تقريباً ذهب في رحلتيْ سفر إلى أوروبا، صحيح أن فنادق ومطاعم أوروبا هي التي استفادت من الجزء الأكبر من الفلوس، إلا أن شركة طيران محلية استفادت أيضاً. أما بقية المبلغ فقد تبخّرت على إقامة مظلة سيارات في بيتي، وشراء مكتبة وحوض سباحة للأطفال، وصيانة البيت وتصليح سيارتي وسيارة أم العيال، وارتياد المطاعم والمراكز التجارية. لولا الإجازة لما نقصت فلوسي درهماً واحداً، فلم يكن باستطاعتي السفر وأنا على رأس عملي، وكنت طيلة تلك المدة أؤجل إقامة المظلة وشراء المكتبة وحوض السباحة وصيانة البيت وتصليح أعطال السيارات، لكن الإجازة وحالة الفراغ التي كنت فيها خلقت روح المبادرة إلى بعثرة نقودي يميناً وشمالاً على أشياء كان من الممكن تأجيلها إلى السنة القادمة، أو التي بعدها. وأستطيع القول إنني في أيام العمل لا أصرف إلا على الطعام والشراب والثياب والأشياء الضرورية جدّاً. وأستطيع القول أيضاً إنه لو امتدت إجازتي أسابيع إضافية لأتيت على "ثروتي" ولأصبحت مفلساً أنتظر الراتب الشهري. أما أهم شيء يمكن أن أقوله هنا فهو أن فلوسي حرّكت السوق واستفادت منها مجموعة من الشركات والمشاريع التي تقع في الدولة وتعد جزءاً من السوق. إن كنّا نقر بوجود ركود في الأسواق وتباطؤ في استرداد عافيتها على إثر إصابتها بمرض الأزمة المالية العالمية، فإن الإجازات السنوية لآلاف الموظفين من شأنها تحريك السوق والإسراع في استرداده عافيته ونموّه. أما على الجانب الآخر، فقد ارتاح مكتبي الحكومي من وجودي لنحو 60 يوماً، ولا أعرف بالضبط مقدار التوفير في الكهرباء والمياه والاتصالات في فترة "عدم وجودي"، مع ملاحظة أن سير العمل لم يتأثر كثيراً، وما كنّا ننجزه كفريق من ثلاثة موظفين أصبح ينجزه موظف واحد فقط. ربما كان ما ينجزه هذا الموظف أقل جودة بسبب الضغوطات، لكن دورة العمل على أي حال لم تتوقف، خصوصاً في فصل الصيف، حيث لا أحد يستفيد من "حبس" الموظف في مكتبه، لقلة الأعمال التي ينجزها وقلة الأموال التي يصرفها. ثبت لي أنني في الإجازات أكون برغياً من براغي ماكينة السوق لكنني في أيام العمل لا أعرف الطريق إلى السوق خصوصاً مع الدوام الطويل الذي يستهلك جلّ وقت وطاقة المرء، لذلك فإنني أسأل: هل من الممكن أن تساهم زيادة فترة الإجازات السنوية لموظفي القطاع الحكومي، في تحفيز السوق ودفع عجلة الاقتصاد وتوفير النفقات المتزايدة؟ إلى ما قبل الأزمة العالمية كان العالم يتجه نحو فرض المزيد من الأعباء على الموظفين والاستفادة من الموظف حتى آخر لحظة، ولكن ربما آن الأوان لإصدار قرارات واقعية، ولو بشكل مؤقت إلى أن تنجلي سحب الأزمة نهائيّاً، وأعتقد أن آلاف الموظفين مستعدون لهزّ رؤوسهم وهم يدققون في كشف حساباتهم.