لا يمكن النظر إلا بإعجاب شديد إلى النتائج المالية الجيدة التي حققتها طيران الإمارات في ظل أزمة مالية عالمية طاحنة، أدت إلى إفلاس مئات الشركات، بما فيها شركات طيران ومؤسسات مالية عريقة. وبعد ربع قرن من تأسيسها أصبحت طيران الإمارات تشكل عموداً أساسيّاً من أعمدة اقتصاد إمارة دبي ودولة الإمارات بشكل عام، بل أصبح من الصعب تصور اقتصاد الإمارة بدون المساهمات الكبيرة لطيران الإمارات التي ارتبطت نشاطاتها بمختلف القطاعات الاقتصادية، كالقطاع السياحي المتنامي وقطاع النقل والتجارة والخدمات الفندقية، التي تعتبر قطاعات فاعلة في الاقتصاد المحلي. ووسط الأزمة التي تعرضت لها شركات محلية كبرى، وبالأخص في القطاع العقاري، يبرز الضوء الساطع لطيران الإمارات ليعبر عن حيوية اقتصاد دولة الإمارات، فإضافة ما يقارب المليار دولار من الأرباح السنوية يساهم في تنشيط الحياة الاقتصادية وفي دعم نمو الناتج المحلي الإجمالي، مما يحسب لإدارة الشركة ولرئيسها سمو الشيخ أحمد بن سعيد آل مكتوم، إذ يفترض أن تستفيد الشركات المحلية الأخرى من المستوى المهني الراقي والشفافية التي ميزت عمل الشركة في السنوات الماضية، والتي جنبتها الوقوع في المطبات التي وقعت فيها كثير من الشركات الكبرى، بما فيها بعض الشركات المساهمة العامة. ولذلك ليس من المستغرب أن تأتي طيران الإمارات على رأس شركات الطيران ربحية في العالم، كما أن إلقاء نظرة على طلبياتها في معرض برلين للطيران والطلبيات المقدمة في معرض "فارنبورو" بإحدى ضواحي لندن بداية الأسبوع الحالي يشير بوضوح إلى عزم الشركة على تعزيز مواقعها في حركة النقل الجوي العالمية. ويبدو أن شركة طيران الاتحاد بأبوظبي وشركة الطيران القطرية تسيران بقوة على نفس الطريق، مما سيعزز من حركة النقل الجوي الإقليمية، حيث توقعت شركة "بوينغ" العملاقة أن يرتفع الطلب العالمي على الطائرات إلى 31 ألف طائرة تجارية بقيمة 3.6 تريليون دولار تقريباً بحلول عام 2029، إذ ستستحوذ منطقة الشرق الأوسط، وبالأخص منطقة الخليج العربي، على 23 في المئة من حجم هذا الطلب. ولذلك يمكن القول إنه إذا كانت آسيا تقود عودة الانتعاش للاقتصاد العالمي في فترة ما بعد الأزمة، فإن شركات الطيران الخليجية الثلاث، طيران الإمارات والاتحاد والقطرية تقود حركة الانتعاش لحركة النقل الجوي العالمية، مما يعني أن دول مجلس التعاون الخليجي ستتحول إلى أحد أهم مراكز النقل الجوي في العالم، إذ بدأت ملامح مثل هذا التوجه بالبروز مع افتتاح الشركات الثلاث لخطوط طيران بعيدة المدى، بما فيها خطوط الارتباط مع أستراليا والأميركتين. وحتى سنوات قليلة ماضية كانت خطوط الطيران بعيدة المدى من اختصاص الشركات العالمية الكبرى، كالخطوط البريطانية والألمانية والفرنسية، إلا أن هذه المرحلة قد تم تجاوزها وهو ما أثار حفيظة الشركات الأخرى التي رأت في ذلك تحديّاً جديداً لمراكز أنشطتها التقليدية، إلا أن الحقيقة التي على شركات الطيران الدولية استيعابها، هي أن العالم تغير كثيراً، فالتقنيات الحديثة وعالم الاتصالات وفرا فرصاً لكافة بلدان العالم، كما أن هذه التغيرات أتاحت انتقال مراكز ثقل العديد من الأنشطة الاقتصادية من مناطقها التقليدية إلى مناطق جديدة تتميز بالتنافسية ونوعية الخدمات الراقية، مما يفرض العديد من المستجدات في العلاقات الاقتصادية الدولية لابد من استيعابها والتعامل معها بروح رياضية. والخلاصة أن هذه التطورات الإيجابية تقدم نموذجاً حيّاً للنجاح الذي يمكن أن تحققه إحدى الشركات المحلية في مختلف الظروف، بما فيها الظروف الصعبة التي تمخضت عنها الأزمة المالية العالمية أو تلك الظروف التي سبقت حروب الخليج في العقود الثلاثة الماضية.