تحرص دولة الإمارات، بشكل مستمر، على الإنفاق بسخاء على مشروعات البنية التحتية والمشروعات التنموية الكبرى بشكل عام، إيماناً منها بأهمية الاستثمار في هذا النوع من المشروعات الذي يعد إحدى الآليات الفاعلة في الخروج من تداعيات "الأزمة المالية العالمية". ولعل سياسة الإنفاق التوسعي على مشروعات البنية التحتية والمشروعات التنموية الكبرى بوجه عام هي ما أعطت لدولة الإمارات التفوق على المستويين الإقليمي والعالمي كواحدة من أكبر الدول من ناحية الإنفاق الحكومي الموجَّه للأغراض الاستثمارية، ففي تقرير أخير لمجلة "ميد" احتلت الإمارات المرتبة الأولى بين دول منطقة الخليج العربية، لاستحواذها على 35 مشروعا من إجمالي 100 مشروع من المشروعات الكبرى المنجزة أو المشروعات التي ما زالت قيد الإنشاء في المنطقة، وتبلغ الاستثمارات الإجمالية لهذه الفئة من المشروعات على مستوى دول الخليج ككل نحو 1.3 تريليون دولار، وتأتي المملكة العربية السعودية في المرتبة الثانية بعد الإمارات من حيث عدد المشروعات الكبرى، حيث إنها تمتلك 31 مشروعاً من هذه المشروعات. واستمراراً للنهج نفسه، فمن المرجح أن تحافظ الإمارات أيضاً على تفوقها الإقليمي كأكبر مستثمر في هذا الجانب خلال الفترة المقبلة، لتستحوذ على النصيب الأكبر من المشروعات المخطط تنفيذها في دول المنطقة، التي تقدرها مجلة "ميد" بنحو تريليوني دولار. وهناك دلالات عدة يمكن استقراؤها من السياسة الاستثمارية الإماراتية ذات التركيز الكبير على المشروعات التنموية الكبرى، وأولى هذه الدلالات هي أن الإنفاق بهذا الكمّ الكبير في هذا المجال يعبّر عن مدى سلامة الاقتصاد الإماراتي، وأنه يمتلك رصيداً آمناً من السيولة ويتمتع بمستوى عالٍ من الجدارة الائتمانية، بما مكّنه من الاضطلاع بأعباء هذا الإنفاق غير متأثر بظروف "الأزمة المالية"، التي ضغطت على ميزانيات العديد من الدول، واضطرت معظم الدول إلى اللجوء إلى آليات تمويلية ذات آثار سلبية على مؤشراتها المالية والاقتصادية، سواء في الأجل القصير أو الأجل الطويل، بما تسبب في توليد أعباء إضافية على هذه الدول ستظل تحت وطأتها على مدار سنوات، وقلصت أيضاً حجم السيولة في معظم القطاعات المصرفية حول العالم، ما اضطر العديد من المؤسسات المالية الكبرى إلى إعلان الإفلاس، وهو ما لم يحدث على مستوى القطاع المصرفي الإماراتي، ما يدل من ناحية أخرى على مدى سلامة هذا القطاع أيضاً. وثانية هذه الدلالات تنصبّ على أن الإنفاق الإماراتي السخي على المشروعات الكبرى ظل على مدار الأعوام الماضية هو الدعامة الرئيسية التي يعتمد عليها الاقتصاد الإماراتي في حركته نحو النمو والتنمية، وقد استفادت الدولة بالفعل من هذا النهج واستطاعت أن تدعم نموها الاقتصادي والخروج من أسوأ مراحل "الأزمة المالية" من دون التعرض لخسائر تذكر، وحققت نموّاً اقتصاديّاً يقدر بنحو 1.3 في المئة خلال عام 2009، وفقاً لبيانات "المركز الوطني للإحصاء". أما الدلالة الثالثة فتنصبّ على أن حرص دولة الإمارات المتواصل على الإنفاق التوسعي على مشروعات البنية التحتية والمشروعات الكبرى بوجه عام على مدار السنوات الماضية يعبّر عن قناعة راسخة بأهمية هذا النوع من الإنفاق، باعتباره آلية جيدة للمحافظة على النمو المرتفع الذي دأب الاقتصاد الوطني على تحقيقه على مدار العقد الماضي، وهو ما يرجح من ناحية أخرى اتّباع الدولة النهج نفسه خلال السنوات المقبلة، لتبقي على فرص النمو والتنمية نفسها في المستقبل. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.