في تصريح له عبر برنامج Meet the Press الأسبوع الماضي، أثار روبرت جيبس، الناطق الرسمي باسم البيت الأبيض، انزعاجاً في أوساط الديمقراطيين بإشارته إلى احتمال خسارة الحزب الديمقراطي سيطرته الحالية على مجلس النواب في انتخابات شهر نوفمبر المقبل. ولكي لا نظلم جيبس، فإن ذلك التصريح ليس سوى جزء مما أصبح رائجاً الآن في واشنطن. ومع ذلك فقد انزعج أعضاء الكونجرس من الديمقراطيين وأعربوا عن مخاوفهم من أن يثبط ذلك التصريح معنويات الناخبين الديمقراطيين، مقابل الخدمة الكبيرة التي يقدمها للناخبين الجمهوريين. ومما أثار استياء القادة الديمقراطيين شطب كل الجهود الجبارة التي بذلوها في التصويت لصالح التشريعات المعبرة عن أجندة البيت الأبيض، وعلى رأسها قانون حزمة الحفز الاقتصادي، وقانون الطاقة والتغير المناخي، وكذلك قانون إصلاح الرعاية الصحية، بعبارة واحدة من جيبس. ومما لا ريب فيه أن على الديمقراطيين أن يتسلقوا جبلاً انتخابياً صعب المراس في شهر نوفمبر المقبل. ذلك أن لهم أغلبية 77 نائباً مريحة في مجلس النواب الآن، فضلاً عن أغلبية 58-40 عضواً على خصومهم الجمهوريين في مجلس الشيوخ. وبالنسبة للأخير فإن هامش الأغلبية الحالي يبدو آمناً بالنسبة للديمقراطيين، طالما أنه يتطلب تمتع الجمهوريين بكثير من حسن الطالع والانقلابات المفاجئة في الموقف الحالي حتى يتمكنوا من تأمين ما يكفي من المقاعد لمنافسة خصومهم الديمقراطيين في هذه الأغلبية. بيد أن الحال ليس كذلك فيما يتعلق بهيمنة الديمقراطيين على مجلس النواب. ففي الوقت الحالي، يعتبر كثير من المراقبين والمحللين ما يتراوح بين 60 و70 مقعداً نيابياً على أنها موضع منافسة انتخابية شرسة بين الحزبين، خاصة وأن الديمقراطيين يشغلون العدد الأكبر من هذه المقاعد. وفيما لو تمكن الجمهوريون من الفوز بثلثي هذه المقاعد لصالح مرشحيهم، فإن ذلك سيمكنهم من استعادة هيمنتهم السابقة على المجلس. ويظل هذا الاحتمال وارداً رغم صعوبة تأكيد حدوثه. وينشأ انزعاج الديمقراطيين وقلقهم إزاء معركة نوفمبر المقبل من خليط من العوامل التاريخية ومشاعر الإحباط التي تسود قواعدهم الانتخابية. فقد فاز المشرعون الديمقراطيون ببعض المقاعد المذكورة في عام 2006 عندما صوت الناخبون ضد بوش، أو في عام 2008 إثر الصعود السياسي الكبير الذي حققه أوباما بحملته التاريخية التي ألهمت الكثير من الناخبين الجدد. وقد جرت العادة أن يخسر الحزب الحاكم في البيت الأبيض انتخابات نوفمبر النصفية. فبينما يتوقع انخفاض نسبة المقترعين في الانتخابات النصفية المقبلة، يتوقع أن تعبر القواعد الناخبة عن استيائها من الإدارة القائمة بالتصويت لصالح الحزب الخصم. وخلال العقود الماضية، يقدر متوسط عدد مقاعد مجلس النواب التي انتقلت من الحزب الحاكم إلى الحزب المنافس في الانتخابات النصفية بحوالي 28 مقعداً. لكن ربما يتجاوز عدد المقاعد التي يخسرها الديمقراطيون لصالح الجمهوريين هذا الرقم بكثير. فقد تزايدت نقمة الشارع الأميركي جراء استمرار حربين طويلتين متزامنتين، واستمرار موجة الركود الاقتصادي، إضافة إلى الدمار الذي سببه استمرار بقعة النفط في خليج المكسيك. وبينما تصعب نسبة المسؤولية عن أي من هذه الكوارث إلى الرئيس أو حزبه، فمما لا ريب فيه أن الجمهوريين قد أحسنوا استثمار هذه الكوارث لصالحهم على حساب الديمقراطيين، وتمكن من إدارة حملة قوية ضد "الحكومة الكبيرة" وحزبها الديمقراطي. وفي هذا الصدد تكشف آخر استطلاعات الرأي التي أجريت عن نتائج مثيرة للاهتمام. فقد انخفضت نسبة تأييد الشارع الأميركي لأوباما إلى 50 في المئة، قياساً إلى 71 في المئة خلال عام 2009. كما لا يزال الديمقراطيون يتمتعون بنسبة أعلى بقليل مما يتمتع به الجمهوريون. بيد أن نسبة تقل عن ثلث مجموع الناخبين لا تزال تعتقد أن بلادهم تسير في الاتجاه الصحيح، بينما تفضل الأغلبية الآن هيمنة الحزب المعارض على الكونجرس بدلاً من سيطرة الديمقراطيين الحالية على البيت الأبيض والكونجرس معاً. وفي كل هذه الأحداث ما يعكس تحولاً مثيراً للاهتمام في الواقع السياسي الأميركي الحالي. فقد سيطر الجمهوريون على الكونجرس خلال الجزء الأعظم من الخمس عشرة سنة الماضية، بينما أحكموا سيطرتهم على البيت الأبيض طوال السنوات الثماني الماضية من ولايتي إدارة بوش، وقبل صعود أوباما إلى سدة الرئاسة في عام 2008. ومع ذلك تمكنوا من إلقاء اللائمة على إدارة أوباما والحزب الديمقراطي، عن كل الكوارث التي خلفتها إدارتهم وسيطرتهم على الجهاز التشريعي. كما تمكنوا من استثمار ذات الاستياء الشعبي الذي صعد على أجنحته أوباما إلى سدة الحكم، وحولوه إلى سلاح يحاربونه به ويوجهونه إلى نحر حزبه. وضمن هذا الاستهداف، أطلق الجمهوريون حركة اجتماعية واسعة، حركة "حفلات الشاي"، سرعان ما تحولت إلى عامل حاسم في بعض معارك التنافس الانتخابي مع خصومهم الديمقراطيين. والتحدي الرئيسي الذي يواجهه الديمقراطيون الآن ويتعين عليهم التصدي له قبل انتخابات نوفمبر المقبلة، يتلخص في تمكنهم من إطلاق حملة تعبئة شعبية مكافئة لتلك التي أطلقها الجمهوريون. كما تزداد حاجة المشرعين الديمقراطيين إلى التزام كامل من قبل الرئيس والبيت الأبيض بتسخير كافة الموارد السياسية اللازمة لدعم حملاتهم الانتخابية. وبما أن انتخابات نوفمبر المقبلة ستحظى بحماس وإقبال أقل من قبل الناخبين، فإن على البيت الأبيض أن يمد يد العون للمشرعين الديمقراطيين، بإحداثه للزخم السياسي اللازم لحملاتهم الانتخابية على حساب منافسيهم الجمهوريين.