بعد تعيين الجنرال بترايوس قائداً لقوات "الإيساف" الدولية في أفغانستان محل الجنرال المقال ماكريستال، كان المتوقع أن يحل محله نائبه الجنرال جون آر آلن، لكن الاختيار وقع على الجنرال جيمس ماتيس ليرأس القيادة المركزية الأميركية الوسطى. ففي الثامن من يوليو الجاري أعلن وزير الدفاع الأميركي توصيته للرئيس أوباما بتعيين ماتيس في ذلك المنصب، وأثنى عليه كواحد من "أبرز القادة القتاليين والمفكرين الاستراتيجيين"، كما أشاد برؤيته في مجال الحرب الحديثة، لاسيما لجهة "إعادة تشكيل القوات المسلحة وتطويرها لمواكبة المستقبل". وقد تقلد ماتيس العديد من المهام والمسؤوليات العسكرية خلال 38 عاماً المنقضية من خدمته في قوات المارينز الأميركية، آخرها منصب قائد القوات المشتركة للولايات المتحدة، والذي قاد إلى جانبه "عمليات التحول في قوات الناتو"، فضلا عن دوره في وضع وتطبيق الخطط الحربية الأميركية في كل من أفغانستان والعراق. وقد بلغت أهميته على مستوى النخبة العسكرية الأميركية أن كان مرشحاً محتملا لقيادة قوات المارينز، لكن طارئاً كبيراً طرأ وغير الخطة، ألا وهو إقالة ماكريستال الشهر الماضي. ولد "جيمس آن. ماتيس" في مدينة بولمن بولاية واشنطن، ودرس في جامعة "سنترال واشنطن"، ليلتحق بالجيش ويتخرج ملازماً ثانياً في يناير 1972. ومن أبرز مهامه قيادته الكتيبة الأولى في لواء المارينز السابع، وهي إحدى كتائب الهجوم البري، خلال حرب الخليج الثانية عندما كان ضابطاً برتبة عقيد. وحين أصبح عميداً كان يتولى قيادة الفرقة الـ52 أثناء هجوم "الحرية الدائمة" على جنوب أفغانستان. أما خلال غزو العراق في عام 2003، فقد قاد فرقة المشاة البحرية الأولى، كما شارك هناك في عمليات "تحقيق الاستقرار" لاحقاً. وقاد معركة الفلوجة في إبريل 2004، وشارك في عملية "غضب الشبح" في نوفمبر من العام نفسه، وتفاوض مع قادة "القاعدة" ليتمخض عن ذلك ظهور "مجالس الصحوات". لكن البنتاجون اختار ماتيس، في مايو 2006، لقيادة حملة مشاة البحرية الأولى العاملة انطلاقاً من قاعدة فيلق المارينز في معسكر "بندلتون"، وهناك كان من مهامه أيضاً الإشراف على بعض شركات التصنيع العسكري التابعة للمارينز. لكن في سبتمبر 2007 أعلن وزير الدفاع، جيتس، أن الرئيس بوش رشح ماتيس، وكان قد ترقى لتوه إلى رتبة فريق أول، لتولي قيادة القوات المشتركة للولايات المتحدة في فرجينيا، وهي قوات تعلب دوراً داعماً مهماً للجيش الأميركي. ثم وافق "الناتو"، في سبتمبر من العام نفسه، على تعيينه قائداً لعمليات التحول للقوات التابعة للحلف. وبينما ظل في منصبه الأول، ترك منصبه الثاني للجنرال الفرنسي ستيفان أبريال، في سبتمبر 2009. وبعد أن كان الأولى بخلافة الجنرال جيمس كونواي الذي خلفه الجنرال جيمس أموس على رأس القوات البحرية الأميركية (المارينز)، في يونيو الماضي، قال ماتيس إنه يتهيأ لتقاعد وشيك، لكن التغيرات التي أطيح فيها بالجنرال ماكريستال عقب مقابلة صحفية هاجم فيها قادة الإدارة، وبالأخص نائب الرئيس بايدن، أقنعت ماتيس بالعدول عن قرار التقاعد، ربما رغبة منه في أن يختم حياته العسكرية بمنصب رفيع مثل منصب رئاسة القيادة المركزية الوسطى. والقيادة المركزية الوسطى هي إحدى خمس مناطق أو مسارح عمليات للقوات المسلحة الأميركية على مستوى العالم، وهي معنية بآسيا الوسطى والشرق الأوسط والقرن الإفريقي، أو حوالي سبعة وعشرين بلداً تمتد من كازاخستان إلى السودان وكينيا، وتضم إيران وأفغانستان وباكستان، مروراً بالجزيرة العربية والعراق وبلاد الشام، وصولا إلى مصر وباقي الدول المطلة على البحر الأحمر وإثيوبيا. ولعل نظرة على منطقة كهذه، حافلة بالصراعات والتوترات، والتي تفاقم بعضها في ظل الوجود العسكري الأميركي، تبين حجم المصاعب التي سيتعين على ماتيس مواجهتها في منصبه الجديد. وإذا كان بعض المصاعب يأتي من أسباب ليس للمؤسسة العسكرية فيها قرار، مثل النزاعات المحلية والإقليمية المتأصلة في بعض المناطق والأقاليم، أو مثل ما أشار إليه بترايوس مؤخراً حول انعكاسات الدعم الأميركي لإسرائيل على مهام قواته في الشرق الأوسط... فمن تلك الصعاب أيضاً ما يتعلق بالاستراتيجية العسكرية ذاتها، وهذا ما تفطن بترايوس، أحد أكثر الضباط الأميركيين نباهة، إلى ضرورة تغييره، حين أمر قواته في العراق بالحد من إفراطها في استخدام النيران القاتلة، وبإقامة علاقات من "الثقة" مع أصحاب البلاد. وفي هذا الخصوص يعد باتريوس على النقيض من ماتيس الذي تلقبه وسائل الإعلام الغربية بـ"الجنرال الدموي"، لاسيما عقب العملية العسكرية التي قادها لإخضاع مدينة الفلوجة، وما قيل عن "أوامر قتل بلا حدود" أعطاها لجنوده. أما تجربته في أفغانستان فعلق عليها هو نفسه بالقول، خلال مؤتمر عقد في سان دييجو عام 2005، إنه "من الممتع أحياناً قتل بعض الناس"، ووضح ذلك بقوله في حديث نقلته محطة "سي أن بي سي" الأميركية وأعادت بثه في الأيام الأخيرة: "تذهب إلى أفغانستان وتجد أناساً يعاقبون النساء لأنهن لا يرتدين الحجاب... هؤلاء فقدوا معنى الرجولة، لذا من الممتع جداً أن تقتلهم". وقد تم حينها لفت نظر الجنرال من قبل القيادة العسكرية، وقيل له إن "عليه أن ينتقي ألفاظه بعناية"! وبعد أن أثارت صحف بريطانية وأميركية هذا الجانب من شخصية ماتيس، في الأيام الأخيرة عقب توصية البنتاجون بإعلانه قائداً للمنطقة العسكرية الوسطى، دافع عنه جيتس قائلا إن "هفوة القتل مرت، والجنرال تعلم الدرس". ولن يكون على ماتيس أن يضبط ألفاظه فقط، بل كذلك تعويد نفسه قيادة ضباط كانوا يرأسونه حتى وقت قريب، أبرزهم باتريوس. كما يتعين عليه تكييف طريقته الخاصة في التعامل مع حركات التمرد والمقاومة، مع الطريقة التي ابتدعها باتريوس وباتت تنال إعجاباً خاصاً في واشنطن، لاسيما أن باتريوس هو القائد الميداني لأهم وأطول حرب أميركية، أي الحرب الجارية في أفغانستان، إحدى مناطق المسرح الذي سيكون تابعاً لماتيس فيما لو وافق أوباما على تعيينه ثم أقر الكونجرس قرار تعيين "الجنرال" في مهمته الأخيرة. محمد ولد المنى