ينظر الأطباء للإدمان على أنه قوة نفسية، تُكره صاحبها وتقسره على تكرار فعل ما بغض النظر عن طبيعة النتائج، التي غالباً ما تكون سلبية. وعلى رغم هذا الاتفاق النسبي على خصائص الإدمان الأساسية، إلا أنه لا يوجد اتفاق عام على نوع المواد، أو طبيعة السلوكيات، التي يمكن أن تمنح متعاطيها، أو مرتكبها، صفة المدمن. وإن كان علماء النفس والأطباء ووسائل الإعلام والثقافة العامة قد كونوا، بشكل شبه عشوائي، ما يمكن أن نطلق عليه قائمة الإدمان. وهذه القائمة تشمل: شرب الكحوليات، وتدخين التبغ، وتعاطي المخدرات، ولعب القمار، والنهم الدائم للطعام. وأحياناً ما تضم هذه القائمة أيضاً تمضية معظم اليوم أمام شاشة التلفزيون، أو الانغماس المستمر والدائم في مهام العمل والوظيفة، أو إنفاق أموال طائلة في التسوق والتبضع، أو ممارسة الرياضة بشكل لا يخلو من هوس. وفي السنوات الأخيرة أضيف إلى هذه القائمة ما يعرف بإدمان الإنترنت، الذي أصبح مصدر قلق للأطباء، بسبب تزايد انتشاره بين الشباب والمراهقين، دون أن يكون هناك تقدير دقيق لمدى وحجم هذه المشكلة، التي لا زالت تعالج بقدر كبير من الاستخفاف والتهوين. وهذه النظرة المستخفة بالتأثيرات النفسية السلبية للإنترنت وألعاب الكمبيوتر والفيديو، لا تقتصر على المدمنين وحدهم، بل تمتد أيضاً إلى المستخدم العادي، الذي أصبح يقضى معظم ساعات العمل أمام الكمبيوتر، وبضع ساعات أخرى في منزله. ومثل هذا التغير الجوهري في كيفية قضاء مهام العمل، مقارنة ببضعة عقود مرت، بالإضافة إلى تداخل الكمبيوتر مع سبل الترفيه وقضاء أوقات الفراغ الأخرى، أصبح ذا تأثير بالغ على الصحة النفسية لإنسان العصر الحديث. ويعتبر الأطفال والمراهقون من الفئات العمرية الأكثر تأثراً بمثل هذا النوع من السلوك اليومي. فقبل زمن ليس بالبعيد، كانت دميات "الباربي"، ورجال الحرب، يشكلان جزءاً رئيسيّاً من ألعاب الأطفال من الذكور والإناث، أما الآن، فقد أصبحت آخر صيحات ألعاب الفيديو والكمبيوتر، تحتل رأس قائمة أمنيات الأطفال في الأعياد والمناسبات، بما في ذلك من لم تتخطَّ بعد سنوات عمرهم عدد أصابع اليد الواحدة، وخصوصاً في ظل ميل الآباء لتشجيع الأطفال على قضاء وقت أمام الكمبيوتر لاستهلاك بعض من وقت فراغهم في العطلات والإجازات المدرسية، ونظرة بعض الآباء لألعاب الفيديو على أنها أفضل جليسة أطفال، بسبب انخفاض تكلفتها، وقدرتها على شغل وقت الطفل لساعات مديدة، مما يمنح الأبوين وقتاً كافياً من الهدوء، بعد يوم طويل من العمل والمشاق. وعلى رغم عدم تصنيف قضاء ساعات مديدة من اليوم مع ألعاب الكمبيوتر كنوع من الإدمان من المنظور الطبي، إلا أنه سلوك يثير القلق بشكل مطرد لدى الآباء والأطباء على حد سواء، نتيجة لابتعاد هؤلاء الأطفال بشكل تدريجي عن بقية نشاطات الترفيه والألعاب، التي تشكل جزءاً مهمّاً من النمو البدني والنفسي الطبيعيين للطفل. فعلى رغم أنه غالباً ما ينظر إلى اللعب على أنه مجرد سلوك ترفيهي، إلا أنه سلوك يعتمد على ممارسة التفاعل البدني والذهني مع العالم الخارجي، ويؤدي إلى تحقيق الكثير من الفوائد على صعيد النمو البدني والتطور الذهني والاجتماعي. ويمكن ارتجالا، تقسيم أنواع اللعب إلى ثلاثة أنواع رئيسية: اللعب البدني مثل ممارسة أنواع الرياضة أو ركوب الدراجات أو الجري والمرح، الذي يطلق عليه البعض اللعب الحقيقي. ثم اللعب الذهني كألعاب الشطرنج والورق والألغاز. وأخيراً اللعب الإلكتروني مثل ألعاب الفيديو والكمبيوتر ومشاهدة التلفزيون، وهو الذي أصبح يطلق عليه لعب الشاشات. ويتميز هذا النوع الأخير بأنه لعب انفرادي، يمارسه الشخص بمفرده، على عكس غالبية الألعاب الأخرى، التي غالباً ما تتطلب مشاركة عدة لاعبين. وهذه الانفرادية وما تحمله في طياتها، من تحجيم وقت ومدى التفاعل الاجتماعي مع الآخرين، تظهر آثارها النفسية في شكل مظاهر اكتئابية، ونوبات غضب إذا ما منع الطفل من اللعب، أو حدد وقت اللعب بزمن معين، بالإضافة إلى تغيرات حادة في المزاج، مع تجنب التفاعل الاجتماعي مع الآخرين، بما في ذلك أفراد العائلة، والبعد عن قضاء وقت كاف مع الأصدقاء، والميل لقضاء أطول وقت في غرفة النوم أو غرفة الكمبيوتر، وفي النهاية ضعف التركيز وقت الدراسة في المدرسة أو في المنزل، وانخفاض عام في المستوى التعليمي. ولا يقتصر تأثير إدمان ألعاب الكمبيوتر على الحالة النفسية فقط، بل يمتد أيضاً إلى أعراض وعلامات جسدية، مثل التهاب الأربطة والأعصاب في الرسغين، والتعرض لآلام مزمنة في العنق، وفي الظهر. وإن كان أكثر التبعات البدنية وضوحاً وفداحة هو إصابة هؤلاء الأطفال والمراهقين بزيادة الوزن، والسمنة المفرطة، بسبب قلة الحركة أو النشاط البدني. وهذا ربما يفسر -ولو جزئيّاً- وباء السمنة الذي يصيب أطفال العالم حاليّاً، حيث تشير التقديرات إلى وجود أكثر من اثنين وعشرين مليون طفل مصابين حاليّاً بالسمنة، وهو العدد الذي يتزايد باستمرار. ومثل هذه الآثار يمكن التخفيف من وطأتها بقدر كبير من خلال إجراءات وتدابير خاصة، مثل منع وجود جهاز الكمبيوتر في غرفة النوم، وتحديد أوقات معينة خلال اليوم أو الأسبوع لممارسة ألعاب الكمبيوتر، مع تنظيم الوالدين لنشاطات تضم جميع أفراد العائلة، وتقع خارج جدران المنزل، مثل السباحة، أو لعب كرة القدم، وضرورة فتح قنوات اتصال وتفاهم مستمرة مع الأبناء، ومحاولة العثور على أرضية مشتركة من الاهتمامات، تجعلهم في مركز النشاطات العائلية، وتنأى بهم عن الانزواء والانطواء.