منذ يومين وصل المبعوث الرئاسي جورج ميتشيل إلى المنطقة لمواصلة دفع عملية السلام بعد اللقاء الناجح الذي عقده نتنياهو مع أوباما، وحصل فيه على الثناء كرجل يسعى للسلام. استقبلت السلطة الفلسطينية ميتشيل بشكوى عن الممارسات الإسرائيلية في القدس تتضمن ممارسات غير قانونية مثل إقرار مخطط حكومي لإنشاء حي استيطاني في منطقة الشيخ جراح، واعتماد إقامة فندقين ضخمين في جبل المكبر، ومواصلة مخطط طرد العائلات العربية من منازلها في القدس لإخلاء المنطقة بهدف تنفيذ الخطة الشاملة التي أقرتها الحكومة لاستكمال بناء عشرين ألف مبنى استيطاني حتى عام 2020. هذه الشكوى الفلسطينية تكشف التناقض الصارخ بين الشهادة الرسمية الأميركية التي حصل عليها نتنياهو من أوباما أثناء لقائهما الأخير في واشنطن، وبين حقيقة سياسات رئيس الوزراء الإسرائيلي المختلفة للقوانين الدولية باستباحة الأرض المحتلة. لقد قال أوباما في شهادته إنني أعتقد أن نتنياهو يريد السلام ومستعد لتحمل المخاطر من أجل السلام. السؤال الذي يكرره المحللون السياسيون حول العالم يقول على أي سند اعتمد أوباما في شهادته هذه. إجابة عن هذا السؤال تكمن في أمرين، الأول حاجة أوباما لهدنة مع اللوبي اليهودي بمناسبة انتخابات الكونجرس القريبة، والثاني الوعود المعسولة التي تعلم نتنياهو أنها أفضل الطرق لتحسين صورته أمام الأميركيين، وتجنب ضغوطهم والصدام مع إدارتهم. يبدو أن نتنياهو أصبح يدرك أنه كلما أراح أعصاب الإدارة الأميركية بوعود السلام كلما حصل على أوسمة ونياشين تدل على أنه رجل سلام، وهي أوسمة تثبت وضعه الداخلي وتعفيه من تفكيك تحالفه مع "اليمين" الأشد تطرفاً في حكومته مثل أفيجدور ليبرمان وحزبه "إسرائيل بيتنا". من المرجح أن الرئيس الأميركي بدوره يدرك لعبة الوعود المعسولة، غير أنه اضطر لابتلاعها حتى لا يؤثر على موقف حزبه في انتخابات الكونجرس. من أمثلة هذه الوعود العلنية (غير ما أسر به نتنياهو لأوباما في الاجتماع الثنائي) ذلك عودته لإسرائيل، حيث قال إنه إذا وافق الفلسطينيون على الدخول معه في مفاوضات مباشرة، فإنه قادر على الوصول معهم إلى اتفاقية سلام في غضون سنة واحدة. إنه وعد أراح أعصاب أوباما وطمأنه إلى أن ما قيل في المفاوضات الأميركية الإسرائيلية داخل الغرف المغلقة أصبح يقال علناً أيضاً. لقد كسب نتنياهو بسياسة الوعود المعسولة اقتناع الأميركيين بضرورة إطلاق المفاوضات المباشرة، وهو ما سيظهر في سلسلة ضغوط شديدة على السلطة الفلسطينية للقبول بهذه المفاوضات رغم الشكوى المستمرة من جانب الرئيس عباس بأنه لم يحصل أي تقدم في المفاوضات غير المباشرة أو المفاوضات التقريبية التي تتم بوساطة أميركية. الشكوى التي قدمها صائب عريقات رئيس دائرة المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية إلى ميتشيل فور وصوله منذ يومين تشير على نحو صريح إلى أن المنظمة قد وافقت على الدول في المحادثات التقريبية على أساس التزامها الراسخ بالمضي قدماً لحل قضايا الوضع النهائي، غير أن الممارسات الإسرائيلية تشكل انتهاكاً صارخاً للالتزامات المترتبة على إسرائيل في الاتفاقات الموقعة والقانون الدولي. إذن نحن أمام مشهد سياسي مكون من كادرين، في الأول يظهر نتنياهو، وهو يلقي وعوداً معسولة عن السلام والمطالبة بالمفاوضات المباشرة، وفي الكادر الثاني يظهر نفس الرجل، وهو يعمل على إفشال المفاوضات التقريبية وغير المباشرة ويزرع الاستيطان، ويواصل جرائم طرد المواطنين الفلسطينيين من أراضيهم وبيوتهم في القدس، ويطلق يد حلفائه اليمينيين في الكنيست في خطوات إقرار مشروع قانون يشترط الانسحاب من القدس والجولان، وهو قانون يهدف الى غل يد أي حكومة تأتي فيما بعد عن توقيع اتفاق سلام يرضي العرب ويلبي حقوقهم.