يتفق كثيرون على أن العام الحالي سيكون عاماً انتخابياً صعباً بالنسبة للديمقراطيين، لأسباب معظمها معروف وأهمها: الركود الاقتصادي، وتراجع شعبية أوباما، وتغير المزاج الانتخابي لغير صالحه، وفتور الحماس نحو الديمقراطيين، وتزايد الحماس للجمهوريين. وهناك سبب جديد يمكننا إضافته لقائمة الأسباب السابقة، ألا وهو "الفجوة بين الأجيال"، حيث تبين من استطلاع حديث للرأي أن الناخبين فوق الخمسين من العمر، أصبحوا يميلون بشكل متزايد نحو المعسكر الجمهوري، ويشمل هذا أعضاءً من جيل الآباء الهائل الحجم في النطاق العمري 50 -64. ففي استطلاع رأي أجراه مركز "بيو" للأبحاث مؤخراً، قال معظم المشاركين فوق الخمسين عاماً إنهم يميلون للحزب الجمهوري، وسوف يصوتون لمرشحيه في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس التي ستعقد في نوفمبر المقبل. أما المستطلعة آراؤهم في النطاق العمري 30 -40 فانقسموا بالتساوي بين تأييد الجمهوريين وتأييد الديمقراطيين، أما من هم دون الـ30 فكانوا أكثر ميلا تجاه الديمقراطيين. ويمثل ذلك مشكلة للديمقراطيين من ناحيتين: الأولى أن الناخبين الأكبر سناً يمثلون كتلة ضخمة لا يريد الحزب أن يخسرها، خصوصاً أنهم الأكثر انتظاماً ومواظبة على المشاركة في التصويت من الفئات الأصغر عمراً، وبالذات في الانتخابات غير الرئاسية، مثل تلك التي ستجري في نوفمبر المقبل، حيث يتوقع أن يشكل الأميركيون من جيل الآباء فوق الخمسين عاماً ثلثي عدد الناخبين. والثانية أن هذا الانعطاف من جانب جيل الآباء بعيداً عن الديمقراطيين، قد يكون في حد ذاته انعكاساً لاتجاه أعمق وأطول مدى، وهو أن جيل الآباء يصبح أكثر محافظة، وبالتالي أكثر ميلا تجاه الجمهوريين، كلما تقدم به العمر. كان الديمقراطيون يعرفون أنهم يواجهون مشكلة مع كبار السن من الأميركيين فوق 65 عاماً، حيث كانت هذه الفئة هي التي شكلت القوام الرئيسي لمؤيدي المرشح الجمهوري "ماكين" في الانتخابات الرئاسية الأخيرة. ومع ذلك، كان جيل الآباء ما بين 50 و64 لا يزال بمعظمه في قبضة الديمقراطيين، إذ كان معظم من صوتوا لصالح المرشح الديمقراطي "أوباما" في تلك الانتخابات من هذه الفئة تحديداً، كما كانوا هم من صوت بقوة لمصلحة الديمقراطيين في انتخابات التجديد النصفي عام 2006. لكن الذي يحدث حالياً، وعلى الرغم من ذلك، هو أن هؤلاء الذين صوتوا لأوباما ينتقلون الآن إلى المعسكر الجمهوري، مقتدين في ذلك بالفئة الأكبر عمراً. ويعلق "اندرو كوهوت"، مدير مركز "بيو للأبحاث"، على ذلك بقوله: "هناك من الأدلة ما يرجح أن هذين الفئتين: جيل الآباء الأصغر سناً وجيل كبار السن قد بدآ يفترقان، وإذا ما ثبت ذلك -وهو ما سنتبينه في نوفمبر المقبل- فإنه يمكن أن يؤدي إلى تغير ذي مغزى كبير. لكن ما هو السبب الذي يؤدي لانتقال جيل الآباء من تأييد الديمقراطيين إلى تأييد الجمهوريين؟ من ضمن الإجابات التي يمكن تقديمها رداً على هذا السؤال، تلك الإجابة التي يقدمها مخططو الحملات الاستراتيجية الانتخابية للحزبين، وفحواها أن الناخبين الأكبر سناً قلقون بشأن الاقتصاد، والعجز في الميزانية الفيدرالية، واحتمالات زيادة الضرائب. وهناك سبب آخر وهو أن هؤلاء الناخبين، ومع تقدمهم في السن، يخشون أن يؤدي قانون الرعاية الصحية لأوباما إلى التأثير سلباً على مستوى الرعاية الطبية التي يتلقونها، على الرغم من أن أوباما قد وعد بأنه لن يؤثر. ويشار في هذا السياق إلى أن استطلاعات الرأي التي أجريت أثناء السجال حول قانون "الرعاية الصحية"، قد أظهرت أن الأميركيين كبار السن ( فوق 65 عاماً) كانوا هم الأكثر معارضة للخطة، مقارنةً بأي مجموعة عمرية أخرى في البداية... لكن بمرور الوقت، انضم إلى هؤلاء فئة الآباء من متوسطي الأعمار الذين بدا موقفهم يزداد سلبية ضد الخطة بشكل تدريجي ومتصاعد. ويقول "ديفيد وينستون"، الجمهوري الذي يدير مركزاً لاستطلاعات الرأي: "الناخبون الأكبر سناً يخشون أن يتقلص مستوى ونوعية الرعاية الطبية التي تقدم لهم، وهو ما يجعلهم يتجهون ناحية الجمهوريين ليسمعوا منهم ما يقولونه حول ذلك... وهو ما يمثل فرصة هائلة لنا". لم يتأخر الجمهوريون بالطبع في الاستفادة من هذه الفرصة، حيث يقدمون أنفسهم الآن كمدافعين عن نظام "الرعاية الطبية"- وهو في الأساس مبادرة ديمقراطية عارضها حزبهم ذات يوم- فهم يقولون إن إجراء خفض بقيمة 523 مليون دولار في نفقات "الرعاية الطبية" بموجب القانون الجديد الصادر في هذا الشأن سوف يؤثر على نوعية الرعاية المقدمة لكبار السن من الأميركيين. وبالطبع لم يقف أوباما ومساعدوه ساكنين، حيث يخططون في الوقت الراهن لتمضية الجزء الأكبر من الصيف في الترويج للجوانب الأكثر شعبية من قانون "الرعاية الصحية"، وعلى وجه الخصوص تلك الشيكات بقيمة 250 دولاراً التي بدؤوا في إرسالها بالبريد اعتباراً من شهر يونيو الماضي لمرضى "الرعاية الطبية" لتغطية الفجوة في المبلغ المخصص لهم لشراء الأدوية والعقاقير بموجب القانون. وفي هذا السياق استعانت الإدارة ببعض الحلفاء والمؤيدين من خارج الحكومة لجمع مبلغ 125 مليون دولار لتمويل حملة تهدف للترويج لحزمة "الرعاية الصحية". وتشير استطلاعات الرأي إلى أن شعبية القانون ترتفع قليلا وببطء لأعلى، لكن ليس ضمن صفوف فئة الناخبين الأكبر سناً. يقول مدير استطلاعات الرأي الديمقراطي"مارك ميلمان" إن "هناك سجالاً دائراً منذ مدة طويلة حول ما إذا كانت الآراء السياسية نتاجاً للخبرة الجيلية للناخبين أم لموقعهم في دورة الحياة. وأنا شخصياً أعتقد أنه يرجع لموقعهم: فجيل الآباء بدأ يتصرف مثل آبائه وسوف يصبح بالتالي أكثر محافظة بمضي السنين، وأكثر محافظة في المسائل الاقتصادية، لكن أكثر ليبرالية في المسائل الاجتماعية". وهذا ما يترك الديمقراطيين أمام خيارين لا ثالث لهما للاستجابة لـ"الرياح الجيلية المتغيرة"، أولهما: انتهاج طريق أكثر محافظة وطمأنة للأميركيين الأكبر سناً بشأن مسائل "الرعاية الطبية" والضرائب، والعجز الفيدرالي في الميزانية. وثانيهما: الاعتماد على عنصر الوقت، والانتظار حتى تنضم جحافل جديدة من الأميركيين الأصغر سناً والمهاجرين إليهم، وهو ما يغير من طبيعة الناخبين في مصلحتهم. وهذا الخيار قد ينجح، لكن ليس قبل نوفمبر المقبل بالتأكيد. الجمهوريون لديهم مشكلاتهم بالطبع... لكن هذا موضوع لمقال آخر عما قريب. دويل ماكمانوس كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم. سي. تي" إنترناشيونال