لدى زيارته بغداد يوم الرابع من الشهر الجاري، وبمناسبة عيد استقلال الولايات المتحدة، قال نائب الرئيس الأميركي بايدن للقادة العراقيين، إن قادة الاستقلال الأميركي اختلفوا حول وثيقة الاستقلال، فبعضهم كان غير موافق عليها، وبعضهم الآخر قبلها على مضض، كما أن خلافات شخصية برزت بينهم، لكنهم أخيراً وقعوا وثيقة الاستقلال الأميركي وجلسوا بعدها لحل خلافاتهم. الرسالة التي يحاول المسؤول الأميركي إيصالها هي أن واشنطن قلقة من استمرار الخلافات بين القادة العراقيين، لاسيما أن الإدارة الأميركية ملتزمة بسحب جزء من قواتها في شهر أغسطس القادم حيث سيتم سحب 50 ألف جندي أميركي، وسيتم سحب البقية في عام 2011. تأكيدات نائب الرئيس الأميركي على أهمية العمل الموحد للقادة العراقيين، تنبع من حقيقة أن هنالك خلافات داخلية في واشنطن حول التواجد الأميركي في كل من العراق وأفغانستان. فقطاع كبير من الرأي العام الأميركي بدأ يبدي استياءه وعدم رضاه عن ذلك التواجد، خصوصاً في العراق حيث لا يوجد بريق أمل يوحي بأن القادة العراقيين سيحلون مشاكلهم في القريب العاجل، بل من الواضح أن وتيرة الخلافات ازدادت واستمرت، كما استمرت دوامة العنف والإرهاب. كل ذلك رغم انتهاء الانتخابات في شهر مارس الماضي، ولم يحقق الفوز الذي نالته قائمة "العراقية" أي بوادر لقبول الآخرين بهذا الفوز، والسماح لعلاوي بتشكيل الوزارة. الإشكالية في العراق اليوم هي أنه لا توجد حكومة دائمة، ولم تتم دعوة البرلمان الجديد للانعقاد إلا مرة واحدة، وحتى تلك الجلسة لم تحقق الغرض منها، ولم يتم تمرير أي قانون، أو إقرار أي مشروع، منذ نهاية الانتخابات قبل أربعة أشهر. ومما يزيد صعوبة الوضع عدم وجود شخصية عراقية يمكن أن تحظى بقبول الجميع، من عرب العراق (بسنتهم وشيعتهم) وأكراده وباقي الأقليات الأخرى فيه. والمعضلة الكبرى أن الأحزاب الشيعية مختلفة فيما بينها، والأحزاب السنية كذلك، لكن الأخيرة في معظمها متفقة على قيادة علاوي لقائمة "العراقية" التي صوتوا لها. والأكراد أيضاً منقسمون على أنفسهم، وكل ما يوحدهم هو رفضهم العودة إلى الحكم المركزي السابق. فهم اليوم شبه مستقلين عن العراق، رغم أن رئيس الجمهورية العراقية كردي! ومن الواضح أن بعض القادة العراقيين، خصوصاً أولئك الذين يديرون الحكومة، لا يؤمنون بالديموقراطية ولا بمفهوم تدوير السلطة، لأن "حزب الدعوة"، كحزب شيعي، لا يؤمن بعض قادته بالوحدة الوطنية العراقية، ويأملون من خلال تحالفهم مع الحركات والأحزاب الشيعية الأخرى تشكيل حكومة طائفية تحاول إبعاد سنة العراق والمعتدلين من شيعته وكل القوى الوطنية العلمانية الليبرالية التي تحاول إيجاد مفهوم جديد للديمقراطية العراقية بعيداً عن الطائفة والقومية الانعزالية. فما العمل الآن؟ وكيف يمكن إنقاذ العراق من محنته؟ وما مستقبله بعد انسحاب القوات الأميركية؟ هل يقع العراق تحت النفوذ الإيراني... كما يريد القادة الطائفيون، أم يبقى مستقلاً بعيداً عن الاستقطاب الإقليمي؟ الحقيقة التي على القادة العراقيين معرفتها جيداً، هي أن قوتهم الفعلية بوحدتهم الوطنية، وأن دول الجوار لا تستطيع عمل شيء إزاء خلافاتهم الداخلية، وإصرار بعضهم على التفرد بالسلطة مهما كان الثمن. ومن المفارقات أن دول الجوار العربي للعراق تتمتع بأنظمة تقليدية مستقرة وفرت الأمن والرفاهية لشعوبها، بينما بقي العراق -بثروته النفطية والزراعية- يعاني شعبه من الفقر، ويفتقر إلى الخدمات الأساسية مثل الماء والكهرباء والصحة والتعليم. ولينظر قادة العراق إلى جارتهم تركيا، كيف حققت الازدهار الاقتصادي لشعبها من خلال دستور علماني وحكومة إسلامية يؤمن قادتها بالتنمية والازدهار لكل الشعب التركي، وليس لطائفة واحدة كما يريد بعض القادة العراقيين الجدد!