يكتمل العنوان الرئيسي لهذا الكتاب الذي نعرضه هنا، "ماذا لو حكمت أميركا اللاتينية العالم؟"، بإيراد عنوانه الفرعي: "كيف يهيمن الجنوب على الشمال في القرن الحادي والعشرين؟"، وهو من تأليف الكاتب أوسكار جارديولا-ريفيرا. وكما يوحي العنوان فقد بات عالم القرن الحادي والعشرين موعوداً بحدوث انقلاب جوهري –حسب المؤلف- في علاقات الهيمنة بين الشمال والجنوب، مع ملاحظة أن الهيمنة في القرن الحالي سوف تكون للجنوب على الشمال، خلافاً لما درجت عليه العلاقات الدولية السائدة منذ العصر الكولونيالي وطوال الفترة اللاحقة للحربين العالميتين وإلى اليوم. يكاد يدرك معظم المراقبين لمنطقة أميركا اللاتينية أن أموراً عديدة مثيرة للاهتمام تجري فيها، لكن دون أن يحدد أحد مدى أهميتها ودورها المتوقع في إحداث تحول في طبيعة العلاقات الدولية القائمة. فمثلا ظل الرئيس الفنزويلي شافيز على سدة الحكم منذ نحو عشر سنوات، ولا يزال قادراً على البقاء والاستمرار استناداً إلى ما يحظى به من تأييد شعبي. أما نظيره البرازيلي، دا سيلفا، فترجل للتو عن صهوة الجواد بعد ولايتين رئاسيتين ناجحتين أمضاهما. وفي الوقت نفسه استطاع موراليس في بوليفيا التغلب على مكائد المعارضين له داخل البلاد وخارجها، وبزهم قدرة على المناورة والبقاء في منصبه الرئاسي. وبالمثل يجلس الرئيس الإكوادوري رافائيل كوريا آمناً في منصبه دون أن يزعزعه أحد في رئاسة حكومته اليسارية. وكذلك تفعل نظيرته الرئيسة الأرجنتينية كرشينر. وخلال العام الجاري اجتمع رؤساء وقادة الدول الأميركية اللاتينية والكاريبية الـ32 في المكسيك بهدف تشكيل مجموعة "دول الجنوب"، استبعدت من عضويتها الولايات المتحدة الأميركية وكندا، وقصد منها مناهضة الهيمنة الشمالية على الجنوب، بما في ذلك النظام الاقتصادي القائم والعلاقات الإقليمية السائدة هناك. وبينما ترنحنت اقتصادات معظم الدول الغنية على نطاق العالم كله تحت تأثيرات موجة الأزمة الاقتصادية العالمية الأخيرة، يلاحظ أن دول أميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي التي طالما عانت إهمال الشمال لها لعدة عقود، أبلت بلاءً حسناً في تطوير بدائل وتصورات جديدة للنظام الاقتصادي العالمي القائم على مبادئ وقيم العولمة، الذي ظل الشمال يفرضه عليها منذ نهايات القرن العشرين. وضمن التدابير التي اتخذتها دول المنطقة اللاتينية الكاريبية حض الشعوب على التظاهر والاحتجاج على تلك العلاقات الاقتصادية الجائرة في نظر قادة المنطقة، مع المطالبة بتغييرها وإيجاد بدائل أكثر توازناً وعدالة اجتماعية اقتصادية لها. وتشمل هذه المناهضة بالطبع وصفات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي التي أثبتت فشلها في إصلاح اقتصادات الدول النامية جميعها بلا استثناء. هذه هي التحولات الجديدة التي تعد بها المنطقة، وقد سعى المؤلف، وهو أستاذ للفلسفة بجامعة لندن- إلى وضعها في سياق فلسفي فكري عبر كتابه. لذلك لجأ إلى استنفار وحشد معارف شديدة الاتساع والتنوع، تمتد من استعراضه تاريخ المنطقة وأوضاعها منذ فترة ما قبل التاريخ، وصولا إلى آخر التقارير والدراسات الحديثة التي نشرت عنها خلال السنوات العشر الأخيرة. ويعود هذا التاريخ إلى حضارتي الإنكا والأزتيك، وإلى تلك الشعوب التي طوعت طبيعة منطقة الأمازون لصالح حياتها ورفاهيتها وازدهارها الاقتصادي منذ ذلك الوقت. ثم يستعرض مطولاً كيف تعرضت المنطقة للغزوات المنظمة من دول الشمال عموماً -أميركا الشمالية وأوروبا- التي استهدفت نهب ثرواتها وتعطيل نموها المستقل، بحيث تتحول إلى مجرد منطقة تابعة لهيمنة الشمال. أما في التاريخ الحديث فقد واصل مهندسو الليبرالية الجديدة القائمة على مبادئ العولمة ذات النمط الكولونيالي المهيمن على الجنوب، وإن كان ذلك بوسائل أكثر نعومة وأقل سفوراً من الاحتلال العسكري المباشر. لكن كيف للجنوب أن يقلب علاقات الهيمنة هذه لصالحه ويتغلب على الشمال، حسبما تنبأ المؤلف؟ كيف لعنوان كتابه هذا أن يتحقق على الأرض؟ يقول "ريفيرا" إن اللاتينو والهسبانك يوشكون على الوصول إلى سدة الحكم في البيت الأبيض قبل منتصف القرن الحالي. فقد بات هؤلاء يشكلون قوة اجتماعية كبيرة يصعب تجاهل تطلعاتها وآمالها في نيل نصيبها من حكم واشنطن. وفي الوقت نفسه يشكل الجنود المنحدرون من أصول إفريقية وأميركية لاتينية داخل الجيش الأميركي قوة يحسب لها ألف حساب الآن، مع العلم أن هؤلاء الجنود يمثلون قوام الحربين الأميركيتين الجاريتين في العراق وأفغانستان. وكثير من هذه العناصر العسكرية بدأت تتطلع إلى ما يجري في بلدانها الأم كنموذج ملهم للتغيير داخل أميركا نفسها. وقد حان الوقت الذي ينبغي فيه على الأميركيين العمل من أجل مجتمع أكثر توازناً وعدالة. ------------------ عبدالجبار عبدالله الكتاب: ماذا لو حكمت أميركا اللاتينية العالم المؤلف: أوسكار جارديولا-ريفيرا الناشر: "بلومبري" للنشر تاريخ النشر: 2010