لعل التقارير والدراسات التي تتحدث عن زيادة حملات التبشير في العالم العربي، والهادفة إلى حمل الآخرين على تغيير معتقداتهم، تثير قلق الكثيرين، خاصة إذا ما اتضح أنها تسعى للتعرض إلى مصدر القوة في المجتمعات الإسلامية تحت مسميات وشعارات مختلفة. وهنا يرد إلى الذهن ما حدث بين المغرب والولايات المتحدة حول موضوع طرد مجموعة من المبشرين بسبب تورطهم في استغلال العمل الاجتماعي الموجه للأطفال المغاربة، والذي وصفته جهات مغربية، رسمية وشعبية، بأنه إرهاب ديني ومعنوي. وإثر ذلك أطلق مشرّعون أميركيون، بقيادة "فرانك وولف"، حملة ضغوط وأعلنوا تنظيم جلسة استماع في الكونجرس حول هذا الموضوع. كما استغلته منظمة "القلق المسيحي"، متذرعة بقانون الحريات الدينية في مطالبة المغرب بفتح أبوابه للتبشير. بينما طالب تجمع الكنائس الأنجليكانية في إسبانيا حكومة مدريد بالضغط على المغرب لنفس الهدف. وقد وصلت الأرقام التي تعلن بين حين وآخر إلى آلاف المتأثرين بهذه الحملات. لذلك بدأت جهات شعبية ورسمية تتنبه إلى هذا التمدد وخطره، خاصة في مناطق الفراغ التي لم يصل إليها الوعي. وقد حذر رئيس مجلس أمناء "منظمة الدعوة الإسلامية" من خطورة مثل هذا الاندفاع، قائلا إنه أصبح ينهش إفريقيا. كما قال عنه وزير الأوقاف الجزائري إنه يغرر بأبناء الجزائر، لاسيما في منطقة القبائل، داعياً إلى التصدي له. أما شيخ الأزهر، فطالب -في حديث لمجلة "أكتوبر"- المسلمين بالانتباه والتيقظ لهذه المخاطر، وبخاصة إلى بعض القنوات الفضائية التي تفرغت للإساءة إلى الإسلام، محذراً من أن هذه القنوات لا تهدف إلى نشر الدين المسيحي بل إلى إشعال الفتنة. وقال إن من أسباب الانقسام الحادث في السودان أن الأزهر ترك الساحة لهذه الجماعات التي توافدت بكثرة إلى السودان خلال العقود الأخيرة. وما فتئ كثير من الباحثين يشيرون إلى العلاقة الوثيقة بين التبشير وهيمنة الاستعمار بشكليه، التقليدي والجديد. والتنصير حسب الموسوعة الميسرة للأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة، هو "حركة دينية سياسية استعمارية بدأت في الظهور إثر فشل الحروب الصليبية، بغية نشر النصرانية بين الأمم المختلفة في دول العالم الثالث". ولعل الرئيس الأميركي "لنكولن" كان واضحاً عندما قال: "إن القساوسة والرهبان الذين يصلون إلى شواطئنا كل يوم، تحت ستار الدعوة إلى دينهم، ليسوا سوى رسل للبابا ونابليون الثالث". ويحتاج هذا الملف إلى دراسة دقيقة، خاصة بعد أن تبين البعد السياسي لهذه الحملات، ومخاطرها على التعايش الطائفي والديني في أغلب البلاد العربية والإسلامية، وأيضاً بعد أن أشارت العديد من المصادر إلى وجود أيادٍ صهيونية تحرك الكثير من هذه الحملات. وكما يبين أحد الباحثين، فإن ثمة مخططات أعدت لتحقيق مثل هذه الأهداف.