الروايات المتداولة في الوقت الراهن حول التداعيات المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني المعلن، تركز على ما ستعنيه تلك التداعيات بالنسبة لعلاقات إيران مع جيرانها في الإقليم، وكذلك القوى الخارجية. وأكثر الروايات تشاؤماً، أو سيناريو الحالة الأسوأ كما يقال في الأدبيات السياسية، هي تلك التي ترى أن القنبلة الإيرانية، إذا ما قدر لها أن توجد، سوف تؤدي إلي إحداث "تغيير في قواعد اللعبة"، وإطلاق إيران كـ"قوة أقليمية مهيمنة". وبحيازتها لبوليصة تأمين نووية، يمكن لإيران التأثير على بعض مجريات المنطقة، وتقديم دعم أكثر صراحة لحلفائها، لاسيما من الحركات الراديكالية وفي المقدمة منها "حزب الله" في لبنان و"حماس" في قطاع غزة. كما ستتاح لها أيضاً إمكانية رفع مستوى رهاناتها في الاستراتيجية التي تتبناها تجاه الدول العربية السنية، وتجاه إسرائيل والولايات المتحدة أيضاً. وهذه الرواية تفترض في المقام الأول أن إيران لديها طموح التحول لقوة إقليمية مهيمنة في الشرق الأوسط، وهو أمر إذا ما تبلور في الواقع فسوف يقود إما إلى مواجهة فعلية، في أغلب الأحوال، مع إسرائيل، والولايات المتحدة، أو إلى قبول المنطقة بالهيمنة الإيرانية، وتعلم كيفية التعايش معها. وفي مثل هذه الظروف، سوف تكون إيران في وضع يمكنها من الحصول على نفوذ يتيح لها التحكم في الكثير من سياسات المنطقة الإقليمية، بما في ذلك الاستراتيجية الخاصة بتنمية النفط، وإنتاجه وتوزيعه. ويمكن لهذا أن يوفر لإيران روافع قوية للتحكم في أسعار الذهب الأسود، وتعزيز وضعها الاقتصادي. الخبر الطيب في هذا السياق هو أن هذا السيناريو المتشائم غير وارد الحدوث، وذلك لعدة أسباب يمكن تبيانها كالتالي: السبب الأول هو أنه ستكون هناك مقاومة قوية من دول الإقليم لطموحات إيران، حتى لو استطاعت امتلاك قنبلة نووية. فإسرائيل والولايات المتحدة لديهما ترسانة نووية رهيبة في المنطقة، كما أن التطور الكبير الحاصل في منظومات الصواريخ الدفاعية، مثل منظومة صواريخ "أرو" الإسرائيلية ومنظومة الصواريخ الأميركية "ثاد" وهي اختصار لعبارة "منظومة صواريخ الدفاع الجوي للارتفاعات العالية في مسرح العمليات"، ومنظومة "باتريوت"... سوف يوفر بالتأكيد درعاً متيناً لحماية منطقتي الخليج والشام. والشيء الأكيد هو أن إيران لا تزال ضعيفة في مجال قدرات الدفاع التقليدي، مقارنة بجيرانها. ومع ذلك، فإن التداعي الثانوي للقنبلة النووية الإيرانية، هو الذي يتوقع أن يكون له محصلة ستكون هي الأكثر دراماتيكية بالنسبة للمنطقة. فمن الصعب تخيل أن أيا من الدول الرئيسية غير النووية في المنطقة سوف تقبل بالهيمنة الإيرانية، دون أن تحرك ساكناً. فمصر والسعودية وتركيا سيكون لكل منها على حدة دافع قوي لامتلاك سياسة ردع خاصة، ستدفعها، على الأغلب، نحو السعي لتطوير سلاح نووي. ومن المؤكد في هذا السياق، أن المملكة العربية السعودية تمتلك الموارد المالية الكافية التي تمكنها من التعاون مع قوة نووية مثل باكستان، لشراء أو على تقاسم قدراتها النووية. وبالنسبة لمصر فقد ظلت لسنوات تعارض امتلاك إسرائيل برنامجاً نووياً غير معلن رسمياً، لكنها لم تر خلال تلك الفترة أن من مصلحتها هي امتلاك سلاح نووي. غير أن هذا الموقف يمكن أن يتغير إلى النقيض تماماً، إذا ما تحولت إيران إلى قوة نووية، نظراً لأن مصر تمتلك، كما تشير العديد من الدلائل، القدرات الفنية والهندسية الكافية التي تمكنها في النهاية من أمتلاك قدرات نووية خاصة بها. وإذا ما تبلور هذا الاحتمال في الواقع، فسوف يترتب عليه تغير جذري في ميزان القوة بين مصر وإسرائيل، وهي خطوة سوف تدفع الولايات المتحدة وأوروبا، إلى الاستجابة من خلال تقديم حماية أكبر لتينك الدولتين معاً -مصر وإسرائيل- بغرض التأكد من أن معاهدة السلام بينهما، والموقعة في عام 1979، ستظل قائمة وموضع احترام. أما تركيا بجسارتها المكتشفة حديثاً، واقتصادها القوي الذي تطور كثيراً خلال السنوات الماضية، وسياستها الرامية لحل كافة المشكلات التي تعترض طريق تحسين علاقتها بمحيطها، وتصميهما على التحول إلى لاعب رئيسي في منطقة الشرق الأوسط... فإنها لن تسمح لإيران أبدا بالنيل من مصالحها في العراق وأفغانستان وسوريا وما وراء ذلك. من هنا، فإن تركيا، ورغماً عن عضويتها في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، تظل قادرة على إعادة مراجعة التزاماتها الخاصة بعدم الانتشار النووي، لتبدأ عندئذ السعي نحو الالتحاق بالنادي النووي. عند هذه النقطة، وبوجود أربع قوى نووية جديدة: إيران ومصر والسعودية وتركيا، بالإضافة للقوى القديمة الموجودة في المنطقة، وهي إسرائيل والولايات المتحدة وباكستان والهند وروسيا -وجميعها ذات مصالح في المنطقة وتمتلك قدرات نووية- سوف تتغير معادلة القوى النووية على نحو جذري. وهو ما يمكن أن يقود، إلى تزايد مخاطر حدوث مواجهات على نطاق واسع. وبوضع هذه التطورات المحتملة في خلفية الصورة، سوف تبدو لنا القوة الإيرانية الصغيرة، أقل شأنا بكثير مقارنة بما تبدو عليه في الوقت الراهن. ومع ذلك، فإن الإيرانيين لديهم القدرة التي تمكنهم من إيقاف ذلك الاتجاه، وذلك من خلال التعاون مع المجتمع الدولي، وعدم مواصلة السعي لتطوير قنبلة نووية. أما إذا ما قرروا المضي قدماً، فليس من المحتمل أن يخرجوا منتصرين وفقاً لأغلب السيناريوهات الممكنة.