لو تجولت في شوارع الكويت للتعرف على مشاعر العامة نحو ما يحدث من تلاسن ومواجهات بين مجلس الأمة والحكومة، لوجدت حالة الملل العامة التي تسيطر على المزاج الكويتي. فالبعض يرى ما يحدث من اختلاف وحدية سبباً في تأخر أوضاع الكويت، والبعض يرى أن البلاد تسير دون هدى وأن هناك من يريد لهذه المشاعر أن تسود على أمل المطالبة بوضع نهاية لحالة الجمود في العلاقة بين السلطتين. والجميع يجمع على أن هناك أزمة حقيقية تواجه الديمقراطية. إلا أن هذا الإجماع يختلف عند تشخيص السبب. فالحكومة ترى المجلس هو المعيق لمشاريعها التنموية، والمجلس يرى تعمداً حكومياً في تعطيل جلسات البرلمان، والقوى السياسية غير قادرة على بلورة رؤية مشتركة للخروج بحلول للأزمة السياسية. على المستوى الرسمي نجد أن الحكومة تعيش حالة من عدم القدرة على الحسم، ويبدو أن المرجعية هنا تتجسد في التعددية القطبية في الحكم نفسه، حيث الصراع مازال يحكم كثيراً من التوجهات المستقبلية، وأن كثيراً من القضايا يمكن حسمها في حالة توحد الرؤية للنظام السياسي. أما على مستوى المجلس فهناك انفلات كبير أثر على النموذج الكويتي، بل أصبح شبهات الفساد تشمل في قوائمها أعضاء من البرلمان. والسؤال: هل الحكومة غير مسؤولة عن تخريب الذمم وشرائها، خصوصاً أنها تملك كثيراً من أوراق اللعبة السياسية، وبالتالي هي مشتركة في المنتج الانتخابي، بل دعمت بعضا من العناصر في الوصول إلى المجلس لأغراض مصلحية، بحيث يشكلون جبهة داخلية للتصدي للمعارضة الجديدة التي تقودها القبيلة. وبالنسبة للقوى السياسية فهي تعيش أزمة خانقة، إذ لم تعد تؤثر في الشارع، بل هناك كثير من المآخذ عليها لكون بعضها دخل في شبكة الفساد. إذن المعارضة التقليدية الممثلة بالمدينة لم تعد فاعلة وهذه القوى تشهد صراعاً من نمط جديد، ونقصد به أن هناك تغيرات على أرض الواقع من حيث الانقسام بين الجيل الجديد من الشباب الذي يشعر بالخيبة نتيجة لتحالفات قياداتهم مع شبكات الفساد، وبالتالي فهذا الوضع قد يقود إلى إعادة إحياء المعارضة المدنية. أما القوى الدينية فليست بأحسن حالا حيث هي منقسمة وفق المصالح الاقتصادية، والقليل منها قابض على أمره لكن وفق رؤيته التقليدية حول الديمقراطية. فهؤلاء لا يؤمنون بالديمقراطية بقدر ما يسعون إلى تحقيق أهداف غير ديمقراطية في ظل الحداثة التي يرفضونها. ومن المؤكد أن إحدى الإشكاليات الأساسية المعيقة لتطور الديمقراطية هي غياب مفهوم الدولة الحديثة والإجماع على دورها في تنظيم العلاقة بينها وبين المواطن. فالدولة العربية مازالت حبيسة لمفاهيمها القديمة من حيث السيطرة على مناحي الحياة. ولعل تعاملها مع مفهوم المواطنة هو مصدر الخلل؛ لكونها ما زالت تؤمن بفكرة الانقسام الاجتماعي باعتباره مصدر قوة لها، بينما واقع الحال يثبت لنا بالشواهد والتجارب أن العصبية هي إحدى التحديات الجديدة التي تواجهنا في هذه المرحلة. ولعل ما يحدث في العراق يعبر عن واقع الحال المرير الذي أفرغ الديمقراطية من محتواها وفرغها من أهدافها الحضارية، فتحولت إلى أداة لمزيد من التطاحن الاجتماعي. النموذج الكويتي يمنحنا صورة واقعية حول التصادم والمواجهة بين مطالب الحداثة وبين الحفاظ والإبقاء على العناصر التقليدية الحاكمة للمجتمع العربي والمعيقة لإحداث تحولات اجتماعية حقيقية. ولعل غياب المشروع النهضوي الذي تتبناه الدولة هو المأزق الكبير الذي يواجهها، ولعلنا نضيف أنه لغياب هذا المشروع لا نملك إلا أن نعتبر التلكؤ في حسم التوجه نحو الديمقراطية كخيار واجب وليس كصدفة عبثية.