نشرت صحيفة "الإمارات اليوم" مؤخراً، نقلاً عن تقرير رسميّ، إحصاءات تشير إلى أن عدد الأطباء الاستشاريين المواطنين في مستشفيات وزارة الصّحة في مختلف إمارات الدولة لا يتجاوز الثمانية، في حين يبلغ عدد الاستشاريين الوافدين في المستشفيات نفسها 89 طبيباً، أي أن نسبة الاستشاريين المواطنين تبلغ نحو 7في المئة فقط، ومن الطبيعيّ، والوضع على هذه الحال، ألا يوجد استشاري مواطن في العديد من المناطق الطبيّة في إمارات الدولة، بحسب ما يعترف به التقرير المشار إليه. وإذا كان القطاع الصحيّ الخاص في الدولة هو الأكثر كثافةً، سواء من حيث أعداد المنشآت الصحيّة، أو أعداد العاملين، فإن من البديهي الاستنتاج أن نسب المواطنين في الوظائف الطبيّة التخصصيّة في القطاع الخاص أقل من نظيرتها في القطاع الحكومي بمراحل، سواء في ظلّ معدلات التوطين المعروفة في بقية قطاعات العمل الخاصة، أو في ضوء الواقع الذي يلمسه الجميع، ويشهد وجود طيف هائل من تخصّصات طبية وافدة تنتمي إلى عشرات الجنسيات يغيب عنها بشكل شبه تامّ العنصر المواطن. الصورة القاتمة التي ترسمها التقارير الرسميّة عن التوطين في القطاع الصحي ربّما لا تختلف كثيراً عن نظيرتها في قطاعات أخرى في الدولة، إذ تشير الإحصاءات إلى جوانب قصور مشابهة في توطين قطاعات أخرى، أبرزها على سبيل المثال ما يشهده قطاع التدريس في الدولة من قصور لافت للانتباه في نسبة المعلّمين المواطنين الذين لا يشكلون أكثر من 11 في المئة من إجماليّ المعلمين الذكور بحسب إحصاءات وزارة التربية والتعليم، ولا يخفّف من قتامة هذه الصورة سوى الحضور المشرّف للمعلمات المواطنات اللاتي يشكّلن نحو 71 في المئة من إجمالي عدد المعلمات في مدارس الوزارة. أما التوطين في القطاع الخاص، فحدّث عن أوجه القصور ولا حرج، ففي قطاع المصارف على سبيل المثال تشير الإحصاءات المعلنة إلى عجز القطاع عن استيفاء الحصص الوظيفيّة الخاصة به، حيث تبلغ نسبة التوطين المحقّقة في هذا القطاع نحو 33 في المئة في حين يفترض أن تبلغ نحو 40 في المئة، بينما تبلغ نسبة التوطين في قطاع التأمين نحو 4 في المئة في حين أن الهدف الرسميّ المتوقّع يبلغ 35 في المئة، وعلى صعيد شركات القطاع الخاص في المجالات المختلفة، فنسب التوطين لا تكاد تُذكر على الإطلاق، برغم التسهيلات التي تمنحها الدولة لهذا القطاع، التي جعلت منه شريكاً رئيسيّاً في التنمية، ولكن لم يقابل ذلك التزام القائمين عليه تنفيذ سياسات التوطين وخططه. لا جدال في أن التوطين، خاصة في القطاعات الاستراتيجيّة، يحتل مرتبة متقدّمة ضمن سلم أولويات صانعي القرار، وهناك جهود ملموسة تبذل، ومبادرات نوعيّة تنفذ على هذا الصعيد بالفعل، ولكن محدودية نسب التوطين في بعض قطاعات العمل الحيويّة مثل الصحة والتعليم قد تبدو مقلقة، إذ لا يعقل أن مستشفيات وزارة الصّحة في الدولة لا يتوافر بها سوى ثمانية استشاريين مواطنين، والأدهى من ذلك أن الأمر لا يقتصر على وظيفة الاستشاريّ، التي تتطلب خبرات مهنية ومعايير محدّدة، ولكنه يطول مستويات وظيفية أخرى في الميدان الطبيّ مثل الاختصاصيين المواطنين الذين يبلغ عددهم 61 اختصاصيّاً مواطناً فقط؛ وهذا الأمر لا يتناسب مع واقعنا التنموي، ولا طموحاتنا المستقبليّة، ويحتاج إلى علاج مسبّباته، سواء كان ذلك عائداً إلى سياسات التوظيف، أو سياسات تخطيط العمالة والتشغيل في القطاع الصحي.