يعتقد 77 في المئة من السكان في المملكة المتحدة أنه ينبغي على الجنود البريطانيين الـ10 آلاف الموجودين في أفغانستان أن يعودوا اليوم إلى وطنهم، وهي نسبة تتأثر كثيراً بالحقيقة المرة المتمثلة في أن 310 جنود بريطانيين قد لقوا حتفهم في أفغانستان حتى الآن. وشخصياً، لا أتفق مع هذا الرأي. فقد دعا الجنرال الأميركي بترايوس، قائد قوات "الناتو" الجديد في أفغانستان، العام الماضي، إلى "التزام قوي ومستمر"، وأعتقد أنه ينبغي أن نمنحه فرصة مناسبة لتحقيق تقدم حقيقي وملموس. لكن بالمقابل، وبكل صراحة، لا يسعني إلا أن أقول إن المؤشرات تشير على ما يبدو إلى احتمال انسحاب مذل للقوات البريطانية وقوات "الناتو" خلال السنوات القليلة المقبلة، وهو احتمال كنت أتمنى ألا يكون كذلك. في السادس عشر من يونيو المنصرم، وقبل قبول الرئيس الأميركي أوباما استقالة الجنرال ماكريستل كقائد للقوات الأميركية وقوات "الناتو" في أفغانستان، نُشر تقرير صادر عن أمين عام الأمم المتحدة حول أفغانستان. التقرير يرسم صورة قاتمة حول الأوضاع هناك، حيث وجد أن ثمة ارتفاعاً هاماً في عدد الحوادث الأمنية -لاسيما في المنطقة الجنوبية الخطيرة- مقارنةً مع السنوات السابقة، وخلافاً للارتفاعات الموسمية. كما سجل ارتفاعاً كبيراً في الحوادث التي تستعمل فيها العبوات الناسفة تقليدية الصنع، والتي تعد حالياً المسؤولة عن معظم الوفيات في صفوف القوات البريطانية في أفغانستان، ومن شبه المستحيل تقريبا تلافيها على نحو منتظم إذا كان يراد الاستمرار في القيام بالدوريات الأساسية وزيارة البلدات النائية. وقد ذهلتُ كثيراً عندما علمتُ أن الهجمات الانتحارية تحدث بمعدل ثلاث هجمات في الأسبوع. وبالنظر إلى المشاكل المرتبطة بتجنيد وتدريب انتحاريين مناسبين، يمكن القول إن الأمر يتعلق برقم مرتفع جداً، رقم تعتقد الأمم لمتحدة أنه يشير إلى زيادة في القدرات وإلى علاقات جيدة مع تنظيم "القاعدة"، حيث ينفذ الإرهابيون تهديداتهم ووعيدهم ضد المدنيين بمعدل سبع اغتيالات كل أسبوع. وفي مدينة قندهار، على سبيل المثال، تم اغتيال عدد كبير من شيوخ القبائل ورجال الدين والمسؤولين الحكوميين. وعلى مدى البضع سنوات الماضية كانت "طالبان" تقترب أكثر من العاصمة كابول، ومما لا شك فيه أنها ستحاول، مثلما فعلت عندما كان الكثير من قادتها يحارب ضمن جماعات الجهاد ضد قوات الاتحاد السوفييتي.. لاشك أنها ستحاول إغلاق بعض الطرق الرئيسية المؤدية إلى العاصمة. والجدير بالذكر هنا أنه في ظروف مختلفة، قام الاتحاد السوفييتي بين عامي 1979 و1989 بإرسال أكثر من مليون جندي إلى أفغانستان، لكنه مني بفشل ذريع في مهمته، وذلك لأن المجاهدين كانوا يأتون ويرحلون عبر الحدود مع باكستان؛ كما أن حركتهم تتوفر على إمداد لا ينفد من طلاب المدارس الدينية، وهو أمر لم يتغير قريباً. وعلاوة على ذلك، فإن "طالبان" تعمل مع تنظيم "القاعدة" وعصابات إجرامية مرتبطة بتجارة المخدرات التي تدر أرباحاً طائلة، ومجموعات قبلية، ومتطوعين من الشيشان لهم تجارب في القتال. والمؤكد أن ثمة أموراً يختلفون عليها، لكنهم جميعاً يشتركون في كراهية قوية لحكومة كرزاي الذي يعتبر بعض حلفائه السابقين وقد أصبحوا معارضة سياسية له، أنه سرق الانتخابات من الشعب الأفغاني. ثم إن قدرة كرزاي على التأثير في الأحداث خارج حدود عاصمته باتت محدودة على نحو مفاجئ، والفساد الذي ينخر حكومته مازال مستشرياً، بل كثيراً ما يقال إن بعضاً من مقربيه ينبغي أن يحاكَموا في لاهاي بتهمة ارتكاب جرائم حرب خطيرة! ومما لا شك فيه أن استبدال الجنرال ماكريستل بالجنرال بترايوس يعتبر محطة هامة؛ فقد وجد الرئيس أوباما نفسه أمام أصعب خيارين. صحيح أن ماكريستل يعد قائداً محنكاً وواسع الحيلة، كما أنه يتمتع بأفضل علاقة لمسؤول غربي في أفغانستان مع الرئيس كرزاي، غير أن مقال مجلة "رولينج ستون" كان خطيراً، وذلك لأن الجيش يجب أن يكون وفياً للسلطة المدنية المنتخَبة. ولتقريب الصورة من الأذهان، لنتخيل هنا للحظة الجنرال إيزنهاور وموظفيه يدلون بتصريحات مماثلة لأحد الصحافيين في عام 1945 حول الرئيس وموظفي البيت الأبيض! وقد أبرز المقال أيضاً خلافات خطيرة بين مسؤولين أميركيين كبار حول أفضل الطرق للتعاطي مع أفغانستان. وفي نهاية العام الماضي، عبر أوباما عن أمله في سحب بعض القوات الأميركية من أفغانستان بحلول صيف 2011. وكنتُ قد كتبت حينها أن ذلك يشكل خطأ، وألمحت إلى أن "طالبان" تكون بذلك قد مُنحت نسختها من السيناريو، وهي منشغلة بحفظ دورها. لكن الوقت كان دائما إلى جانب المتمردين، المستعدين لخوض القتال لعقود إلى أن يغادر آخر جندي من القوات الغربية البلاد. ثم إن المتمردين يدركون جيداً أن الدول الغربية بدأت تضغط على نحو متزايد على زعمائها السياسيين من أجل إعادة الجنود إلى الأوطان، تماماً على غرار القوات الكندية التي ستعود قريبا إلى بلادها بعد أن خاضت قتالا جيداً في أفغانستان وفقدت العديد من عناصرها. وفي كندا، قال رئيس الوزراء البريطاني كامرون، في الخامس والعشرين من يونيو، عن أفغانستان: "كونوا على يقين بأنه لا يمكننا البقاء هناك لخمس سنوات أخرى بعد أن بقينا هناك طيلة تسع سنوات، وعلى نحو فعال". لكن لسائل أن يسأل: متى ستكون الحكومة الأفغانية مستعدة للسيطرة بشكل تام على الوضع؟ ومتى سيصبح الجيش الوطني الأفغاني، الآخذ في التوسع والذي يفتقر على نحو خطير للمعدات حالياً، جيشاً منظماً وجاهزاً؟