تخفي الضجة المثارة حالياً بشأن العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل تطوراً لافتاً: فقد بدأ كل من الرئيس الأميركي أوباما ورئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو في تطوير علاقة بناءة تراعي الانشغالات المشروعة لكل طرف على حدة، فمثلا أعلن مكتب الإحصاء الإسرائيلي خلال شهر مايو الماضي أن الربع الأول من العام 2010 شهد تجميداً كلياً لعمليات البناء في مستوطنات الضفة الغربية، وهو مطلب كان أوباما قد أصر عليه منذ بدء إدارته، ويبدو أن نتنياهو منع بهدوء تام أي عطاءات جديد للبناء، أو عمليات تهديم تطال البيوت الفلسطينية، أو طرد الفلسطينيين من القدس، وذلك منذ الزيارة المحرجة التي قام بها نائب الرئيس بايدن، إلى القدس في شهر مارس الماضي. وفي رده على هذا التوجه الإسرائيلي أعلن أوباما مؤخراً عن مساعدة عسكرية إضافية بحوالي 205 ملايين دولار لإسرائيل لدفع كلفة نشر أنظمة دفاعية مضادة للصواريخ لحماية البلدات الحدودية. وخلال الشهر المنصرم أشاد نتنياهو بإدارة أوباما لدروها في تمرير القرار الأممي الأخيرة الصادر عن مجلس الأمن الدولي والذي يشدد العقوبات على البرنامج النووي الإيراني. والحقيقة أن مؤسستي الأمن القومي في الجانبين انخرطتا لأكثر من عام في تنسيق مواقفهما لمنع إيران من تحقيق تطلعاتها النووية. وبالطبع لن يجد الذين يعتبرون إسرائيل مسؤولية ثقيلة ويريدون من أوباما فرض السلام عليها في هذه التطورات بين الجانبين أخباراً مرحباً بها، لكن بالنسبة للذين يبحثون عن اختراق في عملية سلام الشرق الأوسط ومنع فعال لطموحات إيران النووية، بمن فيهم القادة العرب المعتدلون، يمثل الاعتراف المتبادل بين أوباما ونتنياهو بأن لا أحد منهما يستطيع بلوغ أهدافه بمعزل عن الآخر، وبأنه بدلا من العمل ضد بعضهما البعض، يتعين عليهما العمل معاً... يجدون فيها تطوراً إيجابياً. وقد جاءت حادثة أسطول الحرية لتشكل اختباراً حقيقياً لهذه العلاقة الجديدة، حيث وضعت عملية الاعتراض الفاشلة لسفينة "مرمرة" أوباما في موقف حرج دفعه إلى الاختيار بين التنديد بإسرائيل وبالتالي كسب نقاط في العالم الإسلامي، أو الوقوف إلى جانب حليفته إسرائيل وحقها في الدفاع عن نفسها، لكن بالعمل المشترك والوثيق مع نتنياهو، حيث أجريا ثلاث مكالمات هاتفية أثناء الأزمة، استطاع أوباما التوصل إلى مقاربة تحول دون حصول قطيعة في العلاقات التركية الإسرائيلية، إذ تجنب التنديد بإسرائيل في مجلس الأمن، وفي الوقت نفسه صاغ مقترحاً لفتح تحقيق يكون مستساغاً لإسرائيل مع العمل على تخفيف الحصار المفروض على قطاع غزة بطريقة تستجيب لمتطلبات الحياة الطبيعية لسكان غزة، وفي الوقت نفسه تراعي الانشغالات الأمنية لإسرائيل. لكن رغم ذلك لم تمر حماية أوباما لإسرائيل في وقت انشغل فيه العالم بالاحتجاج على قتل إسرائيل المأساوي لنشطاء عزل دون تكلفة، فقد أضاع أوباما محاولات التواصل مع العالم الإسلامي ليبقى التعويض الوحيد هو التحرك الجدي لحل المسألة الفلسطينية. وفي هذا السياق يمكن النظر إلى تجميد نتنياهو للبناء الاستيطاني في الضفة الغربية وتفادي التحركات الاستفزازية في القدس الشرقية، كخطوة في الاتجاه الصحيح. كما أن قدرة السلطة الفلسطينية على ضبط الأمن في الضفة الغربية ومنع تنفيذ عمليات ضد الإسرائيليين، بدأت تبرهن على وجود شريك فلسطيني يتمتع بالمسؤولية. وأكثر من ذلك، فقد أيدت الجامعة العربية رسمياً دخول الفلسطينيين في "محادثات تقارب" مع إسرائيل، وهو التفويض الذي لم تسحبه حتى بعد أزمة غزة. لكن، ومع ذلك، فإنه ما لم يتحقق تقدم ملموس خلال أقل من أربعة أشهر يعالج قضايا الحدود والأمن ويطلق مفاوضات مباشرة، فسيتعرض نتنياهو لضغوط كبيرة لاستئناف الاستيطان، كما أن الجامعة العربية ستسحب تفويضها. وبالطبع لن يكون ذلك في صالح أوباما ولا نتنياهو مادام هذا الأخير سيجد نفسه في صراع مع الانتقادات الدولية، فيما سيكون الأول مطالباً باختراق حقيقي في مسألة "تنطوي على أهمية حيوية بالنسبة للأمن القومي". والسؤال هنا هو ما إذا كان الرجلان يستطيعان تخطي مشاعر انعدام الثقة التي تسربت إلى العلاقات بينهما وساهمت في تسميمها لبناء شراكة من أجل السلام. فهل يستطيع أوباما إقناع نتنياهو بأنه يريده كصانع للسلام وليس إسقاط تحالفه اليميني، وبأنه يعني ما يقول عندما يتحدث عن أنه "مصمم على منع إيران من امتلاك السلاح النووي"؟ وهل بمقدور نتنياهو إقناع أوباما بأنه جاد بشأن بلوغ حل الدولتين، وأنه لا يسعى فقط لربح مزيد من الوقت قبل بدء الانتخابات الأميركية؟ وبالإضافة إلى ذلك هل يستطيع نتنياهو تشجيع أوباما من خلال القيام بدوره والمساهمة في عزل إيران بالدخول في مفاوضات سلام مع سوريا، وتهدئة الأمور في الجهة الشمالية من الحدود الإسرائيلية؟ وهو ما يجرنا إلى تحركين إنسانيين يمكنهما خلق بيئة مناسبة لاختبار هذه المقترحات: فعلى أوباما أن يستضيف نتنياهو عندما يزور واشنطن الأسبوع المقبل للقيام بجولة مشي في منتجع كامب ديفيد، ومن جانبه يتعين على نتنياهو استضافة أوباما في إسرائيل بعدما يكون قد كسب ثقته وأذاب الجليد بينهما. مارتين إنديك نائب رئيس وحدة السياسة الخارجية بمعهد "بروكينجز" الأميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست"