كان كل شيء تقريباً في المؤتمر الاستثماري الفلسطيني الثاني الذي عقد في بيت لحم، في بداية يونيو المنصرم، وكنت عضوا في الوفد الرسمي الأميركي، مشجعاً. عُقِد المؤتمر الذي صُمم لتشجيع التنمية في القطاع الخاص، في مركز المؤتمرات الأنيق في بيت لحم. رحّب عباس بحوالي 2000 مشارك، من رجال الأعمال الفلسطينيين وعرب من كافة أنحاء العالم، وأصحاب أعمال مبدعين من غزة والعديد من المستثمرين وممثلي المؤسسات العالمية. كانت الرسالة التي لخّصها مبعوث اللجنة الرباعية بلير بسيطة: فلسطين مفتوحة للأعمال التجارية! وبينما ركّز المؤتمر الاستثماري الأول عام 2008 على التنمية بمفهومها الأوسع ومبادرات الشراكة بين القطاعين العام والخاص، ركّز هذا المؤتمر على الأعمال الصغيرة والمتوسطة، والتي تشكل 90% من الأعمال الفلسطينية. وتم تخصيص ما يزيد على 950 مليون دولار لمشاريع متنوعة يُفترض أن يكون لها وقع هام في تطوير الاقتصاد والمجتمع الفلسطيني. ملأت حلقات النقاش والتفاعل بين مؤسسات الأعمال والعروض الخاصة بالشركات الكبرى يومين من اللقاءات. أصبح المؤتمر نفسه مؤسسة قائمة بحد ذاتها، وقد بدأ العمل لمؤتمر استثماري ثالث في مايو 2011، سوف يركّز على الصحة والتعليم. دُهِشْتُ للمستوى الذي يعتبر فيه الأمن كتحصيل حاصل في المناطق الواقعة تحت سيطرة السلطة الفلسطينية مثل بيت لحم. وكانت إسرائيل، رغم وجودها الواضح على نقطة تفتيش بيت لحم، متعاونة، حيث سمحت لحوالي مائة صاحب أعمال غزّي بحضور المؤتمر، وعملت على تيسير مشاركة المموّلين العرب وأصحاب الأعمال من دول ليست لها علاقات دبلوماسية مع إسرائيل. كان من الواضح أن الولايات المتحدة التزمت بجهود رئيسة وموارد كبرى لبرنامج بناء الدولة والمؤسسات الذي تنفذه حكومة فياض. وقد شكّل دعم المؤتمر الاستثماري الفلسطيني تعبيراً هاماً وواضحاً لالتزام الإدارة الأميركية. يهدف مؤتمر بيت لحم إلى تشجيع التنمية الاقتصادية الفلسطينية، ليس فقط كدفعة باتجاه الازدهار، ولكن أيضاً كبرنامج لبناء الدولة والمؤسسات، حيث يعمل الفلسطينيون على الإعداد للاستقلال السياسي. قال لي فياض إن الفلسطينيين يهدفون إلى الجمع بين برنامج بناء العناصر الأساسية للدولة والعملية الدبلوماسية التفاوضية لإنهاء الاحتلال وتحقيق سلام مستدام. والفلسطينيون يفهمون أنه لا يمكن لدولتهم أن تتحقق إلا من خلال اتفاقية سلام متفاوض عليها مع إسرائيل برعاية الولايات المتحدة، لكنهم لن يجلسوا ببساطة إلى الوراء وينتظروا السياسة والدبلوماسية أن تجتمعا بهدف التحرك إلى الأمام. لكن بدلاً من ذلك فإنهم يتخذون المبادرة، بعد الخطوات التي خطوها باتجاه الأمن، لإيجاد الإطار المؤسسي والإداري والاقتصادي لدولتهم المستقلة حتى يتسنى لهم إنهاء الاحتلال. وتماماً كما هو حاسم لإسرائيل ألا تخنق التنمية الاقتصادية الفلسطينية، من الأساسي لها أن تبدأ في السماح للخدمات الأمنية الفلسطينية أن تتحمل المسؤولية في مناطق أكثر اتساعاً داخل الأراضي المحتلة. فالأمران يسيران يداً بيد. وفي غياب الأمن يستحيل تحقيق التنمية الاقتصادية، وفي غياب التنمية الاقتصادية يكون الأمن أداة غير مستدامة للقمع. إلا أن عملية بناء الحكومة والمؤسسات والأمن، لا يمكن أن تكون أهدافاً بحد ذاتها، بل يجب أن تؤدي أخيراً إلى فلسطين آمنة. وفي غياب حل سياسي سوف ينهار الأمن والاقتصاد معاً. د. زياد عسلي رئيس فريق العمل الأميركي من أجل فلسطين ينشر بترتيب مع خدمة "كومون جراوند" الإخبارية