عند الساعة الثانية ظهراً يوم الأربعاء 23 يونيو 2010، أحسست بدمدمة الأرض من تحت أقدامي وأنا في الطابق العاشر! ظننت أن عمالاً يشتغلون، لكن العمال يصدرون أصوات الحفر والنقب، وليس إلى درجة ارتجاج وتمايل البناية. اتصلت بي ابنتي خلال دقائق، وقالت: هل أحسست، قلت لها: نعم! قالت: لقد أصبنا جميعاً بالفزع. وسجل جهاز ريختر قوة 5.7. وتكرر هذا مع ابنتي الأخرى في سان لوران في مونتريال الكندية. وهنا أعترف أنه بدأت الهواجس تنتابني، لكن ليس من علم واضح في ارتجاج الأرض، فلا يمكن لعالم أن يقول إن هذه الهزة سوف ترتعد مرة أخرى وترتج ليس بقوة 5,7 بل بقوة 7,5 ريختر. لكن كم ستصمد الأرض والبنايات الشاهقات؟ وما مصيري في الطابق العاشر إذا زمرت أجهزة الإنذار؟ وإلى أين المصير؟ هنا عرفت أهمية فكرة أن يكون للإنسان أكثر من ملجأ فيما إذا زلزلت الأرض زلزالها. وبالوقت نفسه تذكرت العديد من الآيات القرآنية، مثل قوله تعالى في سورة الأنبياء: "وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة إذا منها يركضون... لا تركضوا وأرجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسألون، قالوا يا ويلنا إنا كنا ظالمين". وتذكرت أيضاً قوله تعالى في سورة الأنعام عن العذاب المسلط من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعاً "فيذيق بعضكم بأس بعض". وتذكرت قوله في سورة تبارك: "قل أرأيتم إن أرسل عليكم حاصبا أو جعل ماءكم غورا فمن يأتيكم بماء معين...". وهنا أدركت هشاشة الحياة، وأن الدنيا ليست مكاناً آمناً بحال... وتدفقت الذكريات تترى؛ فقبل يومين زرت قبر زوجتي، وكانت المقبرة، حين دفنا زوجتي قبل خمس سنين، خاوية فإذا بها اليوم عامرة! مررت بالقبور أكرر قول لشاعر: أتيت المقابر فناديتها أين المعظّم والمفتخر وأين المذل بسلطانه وأين المعزّ إذا ما أمر تفانوا جميعاً فما مخبر وماتوا جميعاً وهذا الخبر تروح وتغدو بنات الثرى فتمحو محاسن تلك الصور فيا سائلي عن أناس مضوا أما لك في ما مضى معتبر المشكلة في الزلزال أنه "مزاجي"، فلا تعلم نفس ما أُخفي لها إذا اصطدمت الصفائح القارية بعضها ببعض لترتج الأرض وتتساقط البنايات وتتكوم الجثث. إن العلم حتى الآن لم يستطيع الإجابة عن كثير من الأسئلة حول الزلزال. وهناك من ذهب إلى الحيوانات ليستفيد منها الحكمة، على افتراض أنها تملك الإحساس العميق بخطر الطبيعة فتهرب مع الإحساس بالزلزال. ليس من آلة تقول لك متى يضرب الزلزال، وأين يضرب، ولماذا يضرب. هناك شقوق في الأرض هي التصدعات الزلزالية، لكن ليس من مكان محصن ضد رعشة الأرض وإحساسها بالبرد، فحين تبدأ بالارتعاش، تتساقط البنايات ويتكدس الموتى، ويضطرب حبل الحضارة. هل يعيش الإنسان في الغابة فينجو من ضربة الزلزال؟ هل البنايات مبنية ليس على قانون التمايل والاهتزاز؟ وهل اليابان التي تعايشت مع الزلازل بمنجاة من غضبها الحارق يوماً؟ وإلى أن نصل إلى معرفة علمية مؤكدة، فسنظل ضحايا الزلزال في مونتريال والحسيمة وأغادير وذمار وباميان، فلا أرض بمنأى عن تحرك قشرة الأرض يوماً. إنها قوة عاتية لا طاقة لنا بها، بل نبدو تجاهها مخلوقات ضعيفة وكائنات هزيلة أمام جبروت الطبيعة الهائل.