لم نفق بعد من فتوى "إرضاع الكبير"، وفتوى هدم الحرم المكي وإعادة بنائه لمنع الاختلاط، ولا فارقتنا محاولة تحريم التعبير عن فرحة تسجيل الهدف بالسجود، حتى فاجأتنا فتوى تنم عن عدم إدراك بعض رجال الدين لما يحتاجه الإسلام، ديناً وأمة، حيث نشرت وسائل الإعلام مؤخراً فتوى على لسان رجل دين جزائري حول تحريم لعب فريق كرة القدم الجزائري مع الولايات المتحدة؛ لأنها دولة استعمارية. المباراة أُقيمت وانتهت وفازت الولايات المتحدة، لكن "مبدأ" الفتوى قائم، وسيستمر الجدل حوله. والتجربة علمتنا أنه بمجرد الخوض في فتوى حول قضية معينة، فإننا نعيش حالة من السجال بين رجال الدين تستمر لفترات ونخرج بلا نتيجة، وإذا جاءت النتيجة تكون كحالة نجيب محفوظ الذي تعرض لمحاولة اغتيال بعد حوالي 40 سنة من تحريم تداول كتابه "أولاد حارتنا". والخوف أن يكون مثل هذا الجدل مقدمة لأن نصل إلى مسألة الخروج من الملّة وما يتبعه، وفي الصومال تم إعدام شخصين لمشاهدتهما مباراة لكرة القدم، والسبب فتوى دينية. وهناك حقيقة يتوجب على رجال الدين الانتباه لها، وهي أن دخولهم في فتوى الأمور الحياتية التي لم يستنكرها أحد من قبل، مثل محاولة حرمان تداول كتاب "ألف ليلة وليلة"، لا يتعدى أن يكونوا بذلك قد قدموا خدمة لمن يريد التهكم والاستهزاء بديننا. نحن بحاجة إلى معالجة تداعيات أحداث الحادي عشر من سبتمبر، والتركيز للقضاء على التشدد وإنهاء التعصب الديني، الذي يعني -في بعده الآخر- تعصباً سياسياً. المنافسات الرياضية قديمة قدم الحضارات وترجع إلى أيام الرومان. وغرضها الأساسي، في السابق والحاضر، هو التقريب بين الشعوب وليس تصفية الحسابات التي تفسد جمال تلك المنافسات وبراءتها. وما يحدث أحياناً من تعدٍّ سياسي على الرياضة ليس القاعدة، حدث أن استخدمت الرياضة كنوع من استعراض القوة بين الكتلة الغربية والكتلة الشرقية خلال الحرب الباردة، وكان التركيز على عدد الميداليات؛ لذا كان الأجدى بذلك الفقيه تشجيع منتخب بلاده الجزائر على الفوز وتسجيل أكبر عدد من الأهداف وإلحاق "هزيمة كروية" بالأميركيين. لكن ربما الأجواء "المونديالية الجميلة جداً" في جنوب أفريقيا لم تكن مناسبة للرياضيين ليبدعوا بمهاراتهم، أو التجار ليتوسعوا في بيع "الفوفوزيلا" أو تهيئة مكان للباحثين عن المتعة والمرح هناك، وإنما أغرت رجال الدين كي لا تفوتهم المناسبة من دون أن تكون لهم بصمة، فكانت فتوى علي بلحاج، القيادي في "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" الجزائرية التي حرّم فيها إجراء مباراة بين الجزائر والولايات المتحدة، بحجة أن دولته، الجزائر المجاهدة، لا يصح لها أن تلعب مع الدولة التي تحتل دولاً إسلامية وتدعم إسرائيل. فتاوى التحريم في أمور عادية أجهدت الإنسان المسلم، وتسببت في أن يكون "متهماً" لمجرد أنه مسلم أو شرقي. وما يجري الآن من إقحام الدين في كل شيء دليل على عدم تركيز رجال الدين على رفع معاناة أفراد مجتمعاتهم التي شملت كل مناحي الحياة. والواضح أننا لا نستطيع ترك الأشياء على طبيعتها بدون إخضاعها للأدلجة الدينية. والخوف أن تتحول معظم أمور حياتنا إلى قائمة من المحرمات. الشعوب الإسلامية تحتاج أحياناً أن تحقق نصراً ولو رياضياً على دول لا نستطيع هزيمتها سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، وبعدها تعود لتعيش معاناتها في كل مناحي الحياة. شعرنا بحالة انتعاش وفرحة عربية وأفريقية وآسيوية عندما فازت غانا على الولايات المتحدة!