أعلن القائد العام لشرطة دبي أن الإمارة رصدت 500 مليون درهم لنشر كاميرات مراقبة ذكية في مختلف أنحائها، ليسلط هذا التصريح من جديد الضوء على موضوع نشر كاميرات المراقبة الأمنية، وليثير تساؤلات مشروعة حول الحاجة الأمنية لهذه التقنية المثيرة للجدل، هل وجود شبكة من العيون الراصدة يعتبر رادعاً للجريمة أو للسلوكيات الاجتماعية غير السوية؟ أم أن عملها يقتصر على ما بعد رصد الجريمة؟ هل تغني الكاميرات عن رجال ودوريات الأمن؟ ما حدود صلاحية استخدام صور الكاميرات في الضبط الجنائي؟ وهل يعول عليها كدليل اتهام أو دليل نفي في المحاكم؟ وأخيرا ما الحد الفاصل بين خصوصية الفرد وحق الجماعة؟ وهل تغطي التشريعات القانونية إساءة استخدام أو استغلال هذه التقنية؟ بدت عملية اغتيال قيادي "حماس" محمود المبحوح في 19 يناير الماضي بأحد فنادق دبي، وبفضل الكاميرات الأمنية المنتشرة في الفنادق والمطار، للمشاهدين في ما يشبه "تلفزيون الواقع"، فالقتلة يصلون تباعاً من وجهات مختلفة، لكن كاميرات المراقبة الأمنية التقطت حركاتهم وسكناتهم ووثقت عملية الاغتيال، وسرعان ما عرضت شرطة دبي لقطات صورتها تلك الكاميرات للضحية وللمتهمين، وقد صرح القائد العام لشرطة دبي بأنه "تم تحليل 1700 ساعة من التسجيل صورتها الكاميرات المنتشرة في دبي"، ولاشك أن شرطة دبي أثارت الإعجاب دوليّاً بعرضها لوقائع عملية اغتيال سياسي نفذها 33 عميلاً، صورتها كاميرات المراقبة الأمنية المنتشرة في الإمارة، التي تقدر بـ 25 ألف كاميرا حسب القائد العام لشرطة دبي. وكانت بريطانيا رائدة استخدام الكاميرات الأمنية إذ تشير التقارير إلى ما بين 4 إلى 7 ملايين كاميرا، 300 إلى 500 ألف منها في العاصمة لندن وحدها. وتتراوح تكلفة هذه التقنية ما بين 225 و450 مليون دولار سنويّاً. وقد نجحت السلطات البريطانية في التعرف على منفذي هجمات الأنفاق في لندن بعد خمسة أيام من وقوعها بفضل شبكة الكاميرات هذه وقاعدة المعلومات التي تملكها الاستخبارات. ورغم تلك النجاحات الأمنية فإن منظمات المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان البريطانية تخشى من اختراق أمني للحريات الشخصية والمدنية إذ يخشى من تحول كاميرات مراقبة الشوارع في بريطانيا إلى أداة للتجسس ومتابعة تحركات الأشخاص. وترى جماعات الحقوق المدنية أن الكاميرات الأمنية هي الرمز الأبلغ لـ"مجتمع المراقبة في بريطانيا". وتجدر الإشارة إلى أن تقريراً صادراً عن هيئة في مجلس اللوردات البريطاني حذر من تنامي ظاهرة المراقبة الحكومية لتصرفات الأفراد عبر كاميرات المراقبة المنتشرة في كل مكان، ودعا إلى إقرار ميثاق قانوني للأشخاص خلف كاميرات المراقبة يحدد ويؤطر عملهم، إضافة إلى التعويض للأشخاص الذين يتعرضون للتجسس باسم المراقبة، وحذر هؤلاء من أن ذلك قد يهدد الديمقراطية وحقوق الأفراد في البلاد ويحول بريطانيا إلى دولة بوليسية. وفي مدينة بيرمنجهام التي تقطنها غالبية مسلمة أثارت كاميرات مراقبة، يبلغ عددها نحو 218 ثبتتها السلطات البريطانية في شوارع وسط المدينة، غضباً واسعاً في أوساط المسلمين، واعتبروا أنها حولت مدينتهم إلى "غيتو للإرهاب"، وعلى إثر احتجاجات السكان أوقفت السلطات مؤقتاً العمل بهذه الكاميرات، وستغطيها بأكياس تمنع التصوير إلى حين استكمال المشاورات مع سكان المدينة. عيون في كل مكان، عيون لا تنام، كلنا نحتاج لنعيم أمني لكن هو التوازن المستحيل بين الحريات الشخصية والمتطلبات الأمنية للمجتمع، فما لم تصاحب استخدام الكاميرات تشريعات قانونية أو عقوبات لضوابط الاستعمال أو إساءته سيتحول المجتمع إلى مجتمع "الأخ الأكبر".