تداعيات متواصلة لصدمة "المونديال"... واستحقاقات ما بعد إعفاء "ماريكستال" الأصداء المتواصلة لصدمة ما بعد إقصاء "الديوك" من المونديال في الصحافة الفرنسية، والشلل العام الذي تسببت فيه إضرابات الاحتجاج على رفع سن التقاعد، وتداعيات إعفاء الجنرال ماكريستال على الحرب في أفغانستان، موضوعات ثلاثة استقطبت اهتمام كُتاب افتتاحيات وصفحات رأي الصحف الفرنسية. صدمة الكرة الفرنسية ما زالت تداعيات وأصداء الخروج المهين للمنتخب الفرنسي من الدور الأول لمونديال جنوب إفريقيا تستقطب اهتمام كُتاب افتتاحيات الصحف الفرنسية. في افتتاحية ليبراسيون طالب لوران جوفرين بمحاسبة كل من يتحمل طرفاً من المسؤولية عن هذه المحنة التاريخية التي تمر بها كرة القدم الفرنسية الآن، مشيراً إلى أن أولئك الذين يطالبون اليوم بالإطاحة ببعض الرؤوس ينبغي أن يعطفوا على مطالباتهم أيضاً الدعوة لانتشال الواقع الكروي من أجواء العبث والرداءة التي تسممه، كما تسمم العديد من الرياضات الاحترافية الأخرى. ثم إن على الجميع أيضاً أن يتذكروا أن السقوط المريع لهذا المنتخب كان ينبغي أن يكون هو النهاية العادلة لمشوار تأهله الذي بدأ أصلاً بالغش والخداع والتدليس، وبعد ذلك تكفلت بالباقي أجواء الشوفينية واللهاث الجشع وراء المال المعششة في صفوف لاعبي المنتخب. وفي صحيفة لوموند ناقش روربرت سوليه في عموده دلالة تحرك ساركوزي لاحتواء الواقع الصعب الذي تكشفت عنه رحلة "الديوك" المونديالية الخائبة. فخلال "جلسة عمل" ترأسها ساركوزي بحضور عدة وزراء لمناقشة أبعاد الإخفاق المريع الذي وقع في جنوب إفريقيا، أعلن عن نيته إطلاق "أيام تفكيرية" حول واقع كرة القدم الفرنسية، في شهر أكتوبر المقبل. في حين طالب نائبان من الحزب الحاكم بفتح تحقيق حول ما جرى في المونديال. وكل هذه تحركات مبررة، في رأي الكاتب، ولكن هل ستؤدي حقاً إلى انتشال الكرة الفرنسية من القاع الذي هوت فيه؟ هذا هو السؤال الذي يستلزم إعادة مسح الطاولة من الصفر حسب "سوليه". أما الكاتب إيف تريّار فقد كتب عموداً موجزاً غاضباً في صحيفة لوفيغارو قال فيه إن هذا المنتخب حتى لو كان فاز، فلن يغير ذلك من الحقيقة شيئاً، وهي أنه منتخب غير مؤهل من الأساس، وبكل معنى الكلمة. ولن يعود للكرة الفرنسية أبداً شرفها وسمعتها ما لم يطرد كل من كان له دور في تلك الملهاة- المأساة التي جرت نهاية الأسبوع الماضي في جنوب إفريقيا. غير أن الكاتب نفسه -تريار- نشر أيضاً تحليلاً موسعاً في ذات الصحيفة سعى فيه لإقناع الفرنسيين بأن سجل بلادهم الكروي ظل دائماً في مستوى "متوسط"، ولم يسجل اختراقات مونديالية أو أوروبية في تاريخه إلا في حالات ظهور طفرات جيلية من اللاعبين مثل حالة "كوبا" في الخمسينيات، وبلاتيني في الثمانينيات، وزيدان منذ 1998 وحتى المونديال السابق. وأما المنتخب الحالي فقد تأهل أصلاً للمونديال بهدف يدوي مغشوش، وذهب إليه حاملاً معه كافة عوامل الهزيمة والفشل، ومن حسن حظ الفرنسيين أنهم قد تخلصوا الآن من لاعبي هذا المنتخب ومن عناء تشجيعهم، لأنهم لا يمثلونهم أبداً، وهذا ما ينبغي أن يعيه لوران بلان المرجح أن يتولى مهمة المنتخب بعد دومينك فيتخلص منهم جميعاً. وأخيراً في افتتاحية "ميدي ليبر" تهجم "يان ماريك" على لاعب المنتخب السابق تيري هنري، وعلى استقبال ساركوزي له، على خلفية الهزيمة الجنوب إفريقية. ويرى الكاتب أن نزول الرئيس إلى أرض الميدان الكروي كان الهدف الحقيقي من ورائه الرفع من شعبيته، من خلال التظاهر بالانشغال بهموم الناس، ولكن لا حاجة للتأكيد على أن تحركات ساركوزي لا تفيد شيئاً اليوم في تخفيف وقع المسخرة التي جرت في المونديال، ولا في احتواء الغضب العام على خلفية مشروع تغيير قوانين التقاعد، المثير للجدل. احتجاجات "التقاعد" أجمع كُتاب الافتتاحيات تقريباً على أن التظاهرات الضخمة، هذا الأسبوع، ضد مشروع تعديل سن التقاعد، قد حققت أهدافها ووجهت رسالة مدوية للحكومة الفرنسية، مؤداها أن النقابات ما زالت قادرة على تعبئة الشارع ضد خياراتها، كما انتقد بعض الكُتاب محاولة الالتفاف وتشتيت الاهتمام المكشوفة التي افتعلها ساركوزي باستقباله للاعب تيري هنري لصرف الأنظار عن الإضرابات والمسيرات التي استقطبت مشاركة مليوني محتج في طول الشوارع وعرضها. وهنا قارن بول كوينو في افتتاحية ليبراسيون بين الاتجاه الذي سارت فيه تظاهرات المضربين، وبين اتجاه تحرك ساركوزي الذي استقبل هنري، ربما على اعتبار أنه يمثل المضربين الكرويين، إن صح التعبير! وذات النبرة الساخرة استبطتها أيضاً افتتاحية أخرى كتبها جيلبير باري في "لومانيتيه" قال فيها "إن رئيس الجمهورية بذل قصارى جهده لإلهاء الرأي العام وصرف نظره عن المليوني متظاهر في الشارع، وذلك من خلال استقبال استعراضي لتيري هنري" في الأليزيه. وحول نجاح الإضرابات نفسها قال "جان لافالوا" في افتتاحية "لابريس دي مانش" إن "التعبئة ضد تعديل قانون التقاعد كانت قوية جدّاً"، وبشكل غير مسبوق. وهو ما يتفق معه طرح دومينيك جارو في افتتاحية "لاشارانت ليبر" الذي وصف تظاهرات هذا الأسبوع بأنها كانت أقوى بكثير مما جرى يوم 27 مايو الماضي، وهذا ما كانت النقابات قد توعدت به ونجحت في الوفاء به في النهاية. وأخيراً يتوقع هرفيه لوفافر في افتتاحية "لافوا دينور" ألا تكون موجة الإضرابات التي شلت الشارع هذا الأسبوع هي الأخيرة، ولا الأقوى، بل يرجح أن تقع مستقبلاً الموجة الثالثة من هذه الحركة الاحتجاجية المطلبية في شهر سبتمبر المقبل، عندما يعرض قانون رفع سن التقاعد على البرلمان، وعندها ستقول النقابات كلمتها بشكل أقوى وأبلغ بكثير. تداعيات إعفاء "ماكريستال" حللت افتتاحية للوموند التداعيات المترتبة على إعفاء قائد القوات الأميركية والأطلسية في أفغانستان، الجنرال ستانلي ماكريستال، على خلفية انتقادات صدرت منه في مقابلة مع شهرية "رولينج ستون" ضد الاستراتيجيات المتبعة من قبل بعض القيادات المدنية في إدارة أوباما، وخاصة سفيرها في كابول، والمبعوث الخاص لأفغانستان وباكستان، ورئيس مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، وآخرين. وكان مؤدى انتقادات ماكريستال هو الامتعاض الشديد من قصور رؤى المستوى المدني في شبكة القيادة، فيما يخص كيفية إدارة الصراع في أفغانستان. واعتبرت الصحيفة أن أوباما كان لديه طبعاً من الأسباب ما يكفي للتضحية بماكريستال، وخاصة أن ما بدر منه يمس مبدأ دستوريّاً غاية في الأهمية هو نفاذ وأولوية المستوى المدني على المستوى العسكري في شبكة القيادة الأميركية. ولكن هذا الإعفاء على رغم مبرراته الكثيرة، لا يعفي مع ذلك من التفكير في بقية تعقيدات المهمة الأميركية في أفغانستان، والحرب المريرة هناك التي ما تزال مستمرة، دون نهاية واضحة في الأفق، على رغم الأعوام الثمانية والنصف من عمرها حتى الآن. والأخطر من هذا أن ماكريستال يمثل الكثير بالنسبة للاستراتيجية المتبعة اليوم، فهو من وضع خطة تعزيز القوات وملاحقة التمرد في محاضنه الجنوبية في مارجة وقندهار، ثم العمل على الاحتفاظ بالمناطق بعد طرد التمرد، ودعم إعادة النظام والإعمار فيها. وقد نظر الحلفاء الأطلسيون، بصفة خاصة، إلى خطة ماكريستال بالكثير من الإيجابية، لأنها تتجاوز في شقها السياسي الطموح عثرات الحلول العسكرية الصرف التي كان الجيش الأميركي يتبناها حتى الآن. واعتبرت لوموند أن الجنرال بيتراوس، وهو من سيتولى المهمة الأفغانية الآن، سيجد أمامه وضعاً يفتقد اليقين، إلى حد كبير، وفي وقت حرج من العملية في مارجة وقندهار تحديداً، وهي العملية التي اعتبرت اختباراً للحرب في مجملها، وفي لحظة بدأت فيها أيضاً مواقف الرئيس كرزاي تتحول، وزاد ضغط الرأي العام في أميركا ولدى الحلفاء الأطلسيين من أجل رؤية خطة خروج واضحة، من المستنقع الأفغاني. وأخيراً نبه الكاتب بيير روسلين في افتتاحية بلوفيغارو إلى أن هامش الاختيار يبدو أنه لم يكن واسعاً أمام أوباما حين قرر -محقاً- إعفاء ماكريستال، بدليل أنه لم يجد بديلاً عنه على رأس المهمة في أفغانستان سوى الجنرال بيتراوس، الذي يتولى القيادة الوسطى، والذي هو عمليّاً الرئيس الأعلى المباشر للجنرال ماكريستال المقال، وإن كان سيحتفظ في الوقت نفسه بمهمته السابقة إضافة إلى المهمة الأفغانية. وسيتعين على القائد الجديد، على كل حال، استدعاء كافة مهاراته وخبراته في إنهاء التمرد في العراق، لإدارة مفردات الحرب في أفغانستان، بكل يومياتها الصعبة وتعقيداتها المريرة، وهنا التحدي الأكبر الذي ينتظره اليوم. إعداد: حسن ولد المختار