هل نحن على أعتاب نظام إقليمي في المنطقة ينُهي الهيمنة الأميركية المطلقة، ووكيلها الحصري الإسرائيلي، ويكسر الاحتكار الذي صبغ المشهد الإقليمي بلاعبيه وتركيبته التي بقيت تتحكم في مفاصل المنطقة؟ اليوم نحن ندخل في تغيرات في موازين القوى وبروز لاعبين من الدول وغير الدول في المنطقة تعمل أحياناً معاً، وأحياناً تتنافس في صياغة نظام إقليمي مختلف خاصة مع تراجع الدور الأميركي نسبياً وانكفاءه على الشأن الداخلي بسبب الأزمة المالية العالمية التي عجلت من ذلك الانكفاء، والذي يتجلى تسريع الانسحاب العسكري الأميركي من العراق بشكل متدرج والتعثر الأميركي في العراق وأيضاً في جبهات الحروب المفتوحة أو في تحقيق السلام، الذي يبقى شعارً وأمنية أكثر منه واقعاً ممكناً، هذا إضافة إلى التهديد البيئي الناتج عن التسرب النفطي في خليج المكسيك. وهناك العجز الأميركي التقليدي وعدم القدرة على لجم إسرائيل وتحميلها مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع، بالرغم من تهديد إسرائيل للمصالح الأميركية في المنطقة. ويزيد من زخم التغيير الذي يجتاح المنطقة بروز لاعبين إقليميين يسعون لملء الفراغ ومواجهة المشروع الأميركي والثوابت الأميركية التي تحكمت في مفاصل المنطقة طوال النصف قرن الماضي، خاصة المشروع الإيراني، الذي يسعى إلى تغيير النظام الإقليمي لمصلحته مستفيداً من الغياب العربي، ومن حالة اللاتوازن المسيطرة على المنطقة العربية. كما تسعى إيران لتقديم مشروع معارض يعزز من حضورها المستفيد من تعثر المشروع الأميركي لا بل عمل على إفشاله وتكبيده أثمان باهظة في لعبة مصالح الأمم وخاصة في العراق وأفغانستان. ولكن طهران تبدو اليوم في حالة حصار يُطبق عليها، وتبدو وقد خسرت حلفائها الذين طالما عولت عليهم في الوقوف معها وخاصة روسيا والصين اللتين صوتتا ضد إيران ولصالح فرض عقوبات صارمة عليها في قرار مجلس الأمن الأخير 1929. في هذا الوقت يبرز في الأفق لاعب جديد يلعب دوراً مؤثراً في إحداث تغييرات في المشهد الإقليمي متمثلاً بصعود الدور التركي وخاصة بسبب القبول العربي له لعدم إثارته القلق لكون أنقرة تسعى لحل الخلافات والتوسط، ولا تسعى لتوظيف الضعف والعجز العربي لمصلحتها، أو لاختراق الصف العربي. كما أن تركيا التي تحتل المرتبة السابعة عشرة على مستوى الاقتصاد العالمي تشكل نموذجاً قابلاً للتصدير لنجاحه الاقتصادي والسياسي كدولة مؤسسات تسمح بالمساءلة بديمقراطية، وتمثل للإسلام المعتدل والتنموي. كما أن التفات تركيا شرقاً وجنوباً باتجاه العرب والقضايا العربية، وخاصة بعد الدور المتميز في كسر الحصار على غزة عن طريق أسطول الحرية ومقتل 9 من الناشطين الأتراك على يد الكوماندوز الإسرائيلي في أعالي البحار يكسبها المزيد من الاحترام والتقدير. وهكذا لا يتردد العرب في احتضان تركيا وقوتها الناعمة وحتى تمضية عطلة الصيف في ربوعها ومتابعة مسلسلاتها المدبلجة عربياً. وبالرغم من إمساك العرب بالكثير من أوراق القوة والتأثير والثروات الطبيعية والاستثمارات والمواقع على البحار والمحيطات والمضايق، لكنهم يتركون للقوى الثلاثة الإقليمية غير العربية الأقل قدرات وتمدداً وعدداً التحكم بتقرير وتنفيذ مخططاتهم ومشاريعهم على حساب مصالحهم، فإلى متى يستمر ذلك؟!