في مقاله الأخير، "الدولة السعودية بين فكرة المدن والنموذج الخلدوني"، اعترض الدكتور خالد الدخيل على الزج بنظرية بن خلدون في كل محاولة لتفسير قيام الدول وانحلالها في المجال العربي، وقد أشار إلى أن هذه النظرية التي استقاها صاحبها من واقع العمران العربي قبل عدة قرون، جدت بعدها تغيرات كبيرة وكثيرة على الواقع العربي تجعل من المتعذر تطبيقها على الأوضاع الراهنة ومن ثم فإنها فقدت صلاحيتها لتفسير تطورات التاريخ السياسي العربي المعاصر. كما أن الاحتفاء بهذه النظرية بشكل مستمر ودون انقطاع، وإضفاء الصلاحية المطلقة عليها، يدل على عقم الفكر العربي وعجزه عن الخروج من نموذج مرت عليه أزمنة متقادمة، وهذا ما لا يمكن لأحد أن يرضاه. وإلى ذلك يلزم أن نوضح أن ابن خلدون نفسه كان مدركاً للنسبية التي تطبع نظريته في العصبية والدولة، ومن ثم استدرك في مواضع كثيرة من كتابه قائلا إن نظريته في التاريخ قد تكون قاعدة عامة، لكنها ليست بالضرورة صالحة لتفسير كل ظاهرة سياسية واجتماعية سابقة أو لاحقة، وهذا ما لم ينتبه إليه كثير من الذين قدموا نظرية ابن خلدون حول العمران البشري على أنها الصيغة الأكمل والأصلح والأشمل... والتي لا تند عنها حالة في التاريخ العربي إلا وتفسرها وتشرح أسبابها. وهو مفهوم مناهض لروح العلم الذي لا يتطور إلا بتجاوز نماذجه التفسيرية على نحو دائم ودحضها مرة بعد أخرى. محمود فهيم -القاهرة