إن كنت تريد ما يذكرك بحضور وانتشار الصناعات الصينية في كافة أرجاء المعمورة فما عليك إلا إدارة أي من القنوات التلفزيونية التي تبث مباريات كأس العالم لكرة القدم التي تجرى الآن في جنوب أفريقيا. وعندها سوف ترى كثيرين ينفخون تلك الأبواق البلاستيكية الزاهية الملونة التي تصدر أصواتاً شبيهة بطنين النحل. لقد صنعت تلك الأبواق في الصين، وصدِّرت إلى جنوب أفريقيا خصيصاً لإصدار ذلك الصوت. وربما كان الجنوب أفريقيون هم الذين ألهموا العالم بأبواق الفوفوزيلا هذه، التي تثير ضيق الكثيرين حول العالم كله عندما ينفخها مئات الآلاف من عشاق كرة القدم الدولية في وقت واحد. غير أن الصين هي التي استطاعت صنع الملايين منها كي تباع بنحو 30 سنتاً وتمكنت من تصديرها إلى سواحل جنوب أفريقيا خلال أيام فحسب. ويقول مسؤولو الصناعة إن نسبة تقدر بنحو 90 في المئة من فوفوزيلا العالم تصنع في محافظتين ساحليتين في الصين هما محافظتا جواندونج وزايجانج. ويطلق معظم المصنعين على هذا المنتج اسم "أبواق المشجعين" إلى أن عمّدها التلفزيون الحكومي الصيني مؤخراً باسم يستطيع الصينيون النطق به: فوفوزولا. وعلى رغم استمرار المصانع الصينية في صنع هذه الأبواق بكميات صغيرة منذ عدة سنوات، فقد تغير كل شيء في موسم الخريف الماضي إثر بدء تدفق طلبيات كبيرة عليها من جنوب أفريقيا. "لقد تمكنا من بيع حوالي 150 ألفاً من هذه الأبواق شهرياً خلال الفترة الممتدة بين نوفمب2009 ويناي 2010"... هذا ما قاله "لين خياوشينج" مالك مصنع "جوانج دا تويز" في "ييو"، واستطرد قائلاً: "لم أكن أتصور أن تحقق الأبواق كل هذه الشعبية". وقد أصبحت هذه الأبواق الأسطوانية الشكل المزينة بأعلام مختلف دول العالم مثار اهتمام في مباريات الكأس الكونفدرالية التي أجريت في موسم صيف الماضي في جنوب أفريقيا أيضاً، عندما شكت الفرق المشاركة من عدم قدرة أفرادها على التواصل بسبب ضجيج الأبواق. ويقال إن الفوفوزيلا قد تم تشكيلها وفقاً لبوق "الكودو" التقليدي الأفريقي، الذي حمل اسم حيوان "الكودو" الذي يتم الحصول منه على البوق الذي يستخدم في إنذار الجيران وسكان القرى بالخطر. وعلى رغم التماسات لاعبي كرة القدم الغاضبين، فقد رفضت لجنة "الفيفا" حظر الأبواق التي تثير كذلك حنق مشاهدي القنوات التلفزيونية، بما فيها قناة "إي إس بي إن" على حد قول عدد من المذيعين. أما في الصين فتختلف وجهة النظر كثيراً عن هذه. ذلك أنه تعين على الشعب الصيني المولع بكرة القدم تحمّل منافسات دولية أخرى في اللعبة غاب منتخبهم الوطني عنها. يذكر أن الصين تأهلت لمباريات كأس العالم مرة واحدة فحسب في عام 2002، ثم سرعان ما خرجت من المنافسات. وفيما لو كان هذا القرن البلاستيكي الذي يشبه الكأس المخروطية الشكل قادراً على التعويض في ملاعب مباريات كأس العالم عن غياب الفريق الصيني، فله أن يكون إذاً. يقول وو ييجون –الذي تمكن مصنعه الذي يضم 90 عاملاً من صنع مليون وحدة من أبواق الفوفوزيلا منذ شهر يناير المنصرم: في وسعنا القول إن بلادنا قد تأهلت لمباريات كأس العالم هذا العام. إنني فخور جداً بسماع الأبواق عبر جهاز التلفزيون. وقال "لن" إنه لم يدرك ما يفعله بالفوفوزيلا عندما عرض عليه أحد تجار الجملة مجموعة منها بمصنع "جوانج دا تويز" الذي يملكه عام 2003. وذكر أنه نفخ البوق بقدر ما استطاع لكنه فشل في إصدار أي صوت منه. غير أن الزبون أطلعه على الكيفية التي يضع بها شفتيه كي يتمكن من إصدار ذلك الصوت الحاد المميز للأبواق. وانتهى الحال بـ"لن" ببيع 200 ألف قطعة من الأبواق في مونديال كأس العالم الذي أقيم في ألمانيا عام 2006. وتمكن كذلك من بيع مليون قطعة في مونديال جنوب أفريقيا الحالي. ويعكس هذا التسارع في الإنتاج تنامي القوة الصناعية الصينية. ذلك أن الصين انتجت العام الماضي ما نسبة 18.6 في المئة من إجمالي الناتج الصناعي العالمي، وفقاً للتقرير الذي أصدرته شركة "آي. إتش. إس" الاستشارية العالمية يوم الاثنين الماضي. وعلى رغم تأخر الصين حتى الآن عن الولايات المتحدة الأميركية إنتاجياً، إذ لا تزال أميركا تنتج نسبة 19.9 في المئة من إجمالي الناتج الصناعي العالمي، فقد واصل الإنتاج الصيني تناميه، ويتوقع له أن يتجاوز نظيره الأميركي المتراجع في وقت ما من العام الحالي، وفقاً لما ورد في تقرير شركة "آي. إتش. إس". أما بحسابات القيمة المضافة الحقيقية، التي تستثنى منها عوامل التضخم والحسابات المضاعفة، فإن على الصين، وفق هذا التقرير أن تتجاوز الولايات المتحدة الأميركية خلال ست أو سبع سنوات. وقال وو –المدير العام لمصنع "جيانج للمنتجات البلاستيكية" إنه يعيد تركيز جهوده في مبيعات الفوفوزيلا على الأسواق المحلية. وهو يضع عينه على إنتاج نوع خاص من الفوفوزيلا الصينية للاحتفال بمباريات ألعاب القوى الوطنية التي تقام في شهر نوفمبر المقبل. ولكن من أسف أن الشهرة التي حققها رواد أبواق الفوفوزيلا الصينية لم تجلب لهم الثروة التي كانوا ينشدونها. فقد انخفض الهامش الربحي الذي حققته الأبواق بمعدل 5 في المئة قياساً إلى نسبة 20 في المئة التي كانت عليها، بسبب ظهور منافسين جدد في كلتا المحافظتين. ويبيع الكثير من المنافسين منتجاتهم بالجملة عبر مواقع إلكترونية مثل موقعي Alibaba وTaobao. ولكن يرد "وو" على هذه الأرقام بقوله: في وسع الكل في الصين أن يعرض أسعاراً جيدة للغاية، غير أن الفوفوزيلا التي نصنعها هي الأكثر جودة". ------- ديفيد بيرسون- بكين ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم. سي. انترناشونال"