في برنامج "خطوة" الذي أشرف بإعداده وتقديمه، سأركز خلال حلقتين على ظاهرة تعاطي المخدرات في الوطن العربي، ولذلك قمت مع فريق العمل بزيارات لمواقع الحدث داخل الإمارات ولبنان ومصر. خلال هذه الجولة رصدت العديد من الملاحظات في عالم الإدمان تأكدت من خلالها أن إدمان المخدرات هو في حقيقته عيش في سجن كبير اخترعه الإنسان، حيث خدع نفسه باستشعار أن لذته تكون في غياب وعيه عبر هذه السموم التي يدخلها في جسده طوعاً، وهو بهذا يحكم على نفسه بالسجن المؤبد في زنزانة المخدرات حتى ولو كان طليقاً. يقدر حجم تجارة المخدرات في العالم بحوالي 600 مليار دولار سنوياً، مما يجعل هذه التجارة فرصة لمن يريد الربح السريع، ولو على حساب مجتمعه ووطنه، لأن هذا الإنسان جشعٌ، لا يعرف معروفاً، ولا ينكر منكراً، لذلك يبلغ عدد المدمنين في العالم 220 مليون شخص تقريباً، بينما يبلغ عدد المتعاطين بشكل عام لأشكال المخدرات 800 مليون شخص، وتفترض التقارير أن المدمنين في الوطن العربي بلغوا قرابة 10 ملايين شخص، وتشير إحصاءات وزارة الداخلية في الإمارات إلى أن عدد المتعاطين المقبوض عليهم وصل ألف شخص تقريباً. وفي شهر مارس لعام 2009 تم القبض على 466 شخصاً تورطوا في قضايا المخدرات. وبينما كنت في رحلاتي للبحث في قضية المخدرات، كان السؤال الذي أحاول الوصول إليه يتلخص في لماذا؟ وكيف؟ لماذا يتجه بعض الشباب إلى المخدرات؟ ورأيت أن الجواب المناسب يكمن في اعتقادهم الخاطئ بأن الإدمان بعيداً عنهم، وأن التجربة مجرد نشوة بإمكان الإنسان التراجع عنها بكل بساطة، وهذا عكس ما يعيشه المدمن، فهو عبد لهذا المخدر. ومن أقوى العبارات التي سجلتها قول أحد المدمنين السابقين لي "إن الأمر وصل به للبحث عن وريد أو شريان يأخذ المخدر من خلاله فلم يجد في جسده وسيلة بعد أن استهلك كافة عروقه... وقد وصل به الأمر أن يرى (أن الكلب يعيش حياة أسعد من حياته). أما عن كيف تبدأ رحلة المخدر لدى الشباب؟ تبين لي أن جلهم بدأ الرحلة بالتدخين بشكل عام حيث بينت الدراسات أن 92 في المئة من المدمنين بدؤوا بالتدخين ، وأن 75 في المئة من عينة بعض الدراسات، أكدوا أن أول تجربة لهم للحشيش كانت مخلوطة بالتبغ. إن أخطر ما تبين لي من جولتي ودراستي للموضوع أن أكثر من 60 في المئة من المدمنين خاضوا هذه التجربة وهم دون سن الـ 18. إنها لمأساة تلك التي يعيشها المدمن ومن يتعامل معهم، فهو يخسر نفسه ويجرها إلى أسفل سافلين، ويخسر من يحب من أهل وزوجة وولد، هذا بالإضافة إلى الخسائر المالية، التي تجعل الكثير من فقراء المتعاطين يتحولون إلى مروجين و تجار مع الزمن، كي يحصلوا على نصيبهم. الإمارات كانت من الدول السباقة التي دعت المدمنين إلى التوبة والعودة إلى جادة الصواب عبر إلغاء العقوبة عن كل مدمن يسلم نفسه للجهات المختصة للعلاج والتعافي من هذا الداء الخبيث... وهي دعوة مباشرة لمن وقع في هذا الانحراف كي يخرج من زنزانة المخدرات قبل أن يدخل السجن بحكم القانون.