الكتاب الذي نعرضه هنا عنوانه "الكوكب المنهوب: كيف نصالح الازدهار مع الطبيعة"، لمؤلفه "بول كوليي"، يثير تساؤلا حساساً يطارد السياسيين وصناع القرار في العالم ويتعلق بالأولية التي يجب التركيز عليها: النمو الاقتصادي أم المحافظة على البيئة؟ ولأن السؤال قائم على الجدل بين طرفين أساسيين، يحاول الكاتب عرض وجهتي النظر المختلفتين دون إخفاء رأيه الخاص. والحقيقة أنه ليس من الصعب استنتاج تصور الكاتب حول ما يتم تداوله حالياً على الساحة الدولية من أسبقية البيئة على الاقتصاد أو العكس، وذلك من خلال مسار المؤلف نفسه وما يمثله في المجال الفكري والأكاديمي. فـ"بول كوليي" هو خبير اقتصادي وأستاذ بجامعة أكسفورد العريقة، كما أنه المسؤول السابق عن الأبحاث في البنك الدولي، هذا فضلا عن المناصب العليا التي تولاها في الحكومة البريطانية والأمم المتحدة كمستشار اقتصادي. وقد سبق أن خاطب الجمعية العامة للأمم المتحدة، وعقد حلقات دراسية في مقر رئيس الحكومة البريطانية لعرض أفكاره والترويج لتصوراته، تلك التصورات والأفكار لا تخرج عن الإطار الليبرالي الذي ينتسب إليه الكاتب بالنظر إلى مساره الأكاديمي وطروحاته التي دافع عنها في مؤلفاته السابقة. لكن رغم ما يمثله "كوليي" في الحقل الفكري الغربي، باعتباره أحد رموز الأيديولوجية الليبرالية وتحرير الأسواق، بل انتسابه أيضا إلى المنهج النفعي في الدراسات الاقتصادية، فإنه يحاول في كتابه هذا التوفيق، أو على الأقل نفي إمكانية التضارب، بين الخبير الاقتصادي والعالم الإيكولوجي. ولتوضيح هذه الفكرة القائمة على الموازنة بين الانشغال البيئي الذي تنامى في السنوات الأخيرة بسبب التغيرات المناخية من جهة وتصاعد تأثير الجماعات والمنظمات المدافعة عن البيئة من جهة أخرى، وبين الهم الاقتصادي الذي يشغل بصفة خاصة الدول النامية في العالم، ينطلق المؤلف من معضلة الفقر المستشري في القارة الأفريقية، لاسيما في ظل التقديرات التي تضع سكان العالم في حدود تسعة مليارات نسمة بحلول عام 2030 وانحسار الموارد الطبيعية... ما يفرض الحاجة إلى المزيد من الإنتاج لتلبية الاحتياجات المتزايدة للسكان. هذا الواقع، يقول الكاتب، يحتم استغلال القارة لجميع مواردها والعمل على استخراجها والاستفادة منها، سواء المعادن أو الأراضي الخصبة... دون أن يعني ذلك الإضرار بالبيئة. والحقيقة أنه من خلال هذا العرض يتضح بجلاء موقف الكاتب الموالي للطرح الليبرالي، ففي نظره يبقى استيفاء حاجيات السكان الأساسية أهم من الحفاظ على الموارد، وبخاصة في الحالة الأفريقية التي لم تُستغل من مواردها سوى عشرين في المئة. لكن بالنسبة للكاتب لا تكمن المشكلة في التهافت على الموارد التي يظل منها الكثير تحت الأرض الأفريقية بل يكمن التحدي في غياب الحكامة الجيدة وانتشار الفساد على نطاق واسع، بالإضافة إلى المشكلات الأخرى المرتبطة باستغلال الشركات العالمية والجهات الدولية جهل النخب الأفريقية وعجزها المالي كي تفرض (الشركات) شروطها وتنهب ثروات بلدان القارة. وهنا يشير الكاتب على سبيل المثال إلى زامبيا التي يقول إن جميع مواردها المعدنية تستخرج من على مسافة لا تبعد بأكثر من عشرة أميال عن الطريق الرئيسية، ما يعني أن ما تزخر به البلاد من موارد يفوق حجمها الحالي، غير أن قلة الإمكانات المادية تدفع البلدان الأفريقية إلى استقطاب الشركات الأجنبية القادرة على التنقيب والبحث بثمن باهظ لا يترك سوى الفتات للبلدان صاحبة الثروة. وبدلا من التضحية بالنمو الاقتصادي الذي تحتاج إليه أفريقيا ومعها شرائح واسعة من سكان العالم، يتعين -حسب الكاتب- سن القوانين المناسبة الكفيلة بحماية البيئة دون الكف عن مواصلة استغلال الموارد. ومن المقترحات التي يتقدم بها المؤلف فرض ضرائب على الشركات الكبرى التي تعمل على استخراج المعادن، بالإضافة إلى الثروة السمكية التي خصص لها المؤلف بضعة صفحات لتوضيح فكرة التقنين عوض التضحية بالنمو الاقتصادي. وينتقد الكاتب الحرية التامة التي تحظى بها أساطيل الصيد في أعالي البحار بدعوى أنها ملكية عامة، والحال أن استمرار دول بعينها في استنزاف الموارد البحرية سيؤدي إلى تناقص كبير في الثروة السمكية، مقترحاً أن تتولى الأمم المتحدة تنظيم عملية الصيد في البحار وتقنينها. بيد أن تشجيع الكاتب مواصلة استغلال الأراضي في أفريقيا، بل دعوته إلى دعم كبار الملاك والشركات الزراعية الكبرى على حساب صغار الفلاحين لقدرة المشروعات الزراعية الكبرى على الزيادة في الإنتاج، يفتح المجال أمام سيل من الانتقادات توجه إلى الكاتب باعتباره مجرد ليبرالي آخر يسخر فكره الأكاديمي لخدمة الدول الكبرى صاحبة تلك الشركات. ففي حال تطبيق فكرة المؤلف وتحويل أفريقيا إلى ضيعات زراعية كبرى ماذا سيحل باقتصاد القرية التي تقطنها أغلبية الأفارقة؟ وكيف سيتم التحكم في الأسعار التي ستخرج عن السيطرة بعدما يوجه معظم المنتوج الزراعي للتصدير؟ ورغم ما اقترحه المؤلف في هذا المجال للالتفاف على تداعيات النقص الغذائي الناجم عن سيطرة كبريات الشركات على القطاع الزراعي في أفريقيا من تركيز على المنتجات المعدلة وراثياً وتقديم تعويضات سخية للمزارعين المحليين، فإنه لم ينجح في تبديد الشعور غير المطمئن بأن كتابه ينحاز إلى التيار الليبرالي ويرجح كفة الخبير الاقتصادي على المسؤول البيئي المنشغل بهم الاستدامة والحفاظ على البيئة. زهير الكساب ------- الكتاب: الكوكب المنهوب: كيف نصالح الازدهار مع الطبيعة المؤلف: بول كوليي الناشر: آلان لين تاريخ النشر: 2010