قد لا يختلف اثنان على مستوى التقدّم الذي وصل إليه القطاع الصحي في دولة الإمارات على مستوى التجهيزات من مبانٍ ومنشآت ومعامل متطورة وأجهزة وتكنولوجيات تتوافق مع أحدث الأجهزة والتكنولوجيات المستخدمة في القطاع الصحي على مستوى العالم، باعتباره إحدى الدعامات الرئيسية التي تنبني عليها حياة البشر وسلامهم الاجتماعي، ويمثّل مدى نجاح هذا القطاع في تأدية دوره معياراً رئيسيّاً ومطلباً ضروريّاً لتمكين الأفراد من تأدية أدوارهم كعنصر إنتاجي فعّال ونشط اقتصاديّاً، وكأهم محور من محاور التنمية الشاملة والمستدامة بالدولة. وبالطبع فإن تطوّر هذا القطاع الحيوي ليس إلا نتاجاً لسياسة طموح وخطط تنموية تتبنّاها دولة الإمارات سواءً على المستوى الاتحادي أو على المستوى المحلي بكل إمارة، حيث تنفق الدولة ما يقدّر بنحو 24 مليار درهم (6.5 مليار دولار) سنويّاً على قطاع الرعاية الصحية، ويمثّل هذا الإنفاق ما يقرب من نحو 3% من الناتج المحلي الإجمالي الإماراتي كما يرد في بيانات "منظمة الصحة العالمية"، وهي من أعلى نسب الإنفاق على مستوى منطقة الشرق الأوسط. لكن على النقيض من التطوّر والتقدّم المادي والتقني في قطاع الرعاية الصحية في دولة الإمارات، فإن هذا القطاع يعاني بعض التحدّيات التي قد تؤثر في كفاءته وقدرته على أداء دوره، ويأتي تدنّي كفاءة بعض العاملين في القطاع، بالإضافة إلى عدم التزام بعضهم قواعد المهنة ومواثيقها على رأس هذه التحدّيات، ما تسبّب في تزايد عدد المخالفات والأخطاء الطبية في الدولة في الآونة الأخيرة، وقد تسبّب بعض هذه الأخطاء في وفاة مرضى ومصابين، وقد جاءت هذه المخالفات والأخطاء من قبل أطباء وكوادر فنية وإدارية، كما تشير التقارير إلى وقوع بعض المؤسسات سواءً مستشفيات أو مراكز طبية أو عيادات وكيانات مؤسسية أخرى في هذه المخالفات والأخطاء. ويثير استمرار هذا النوع الخطر من الأخطاء والمخالفات تساؤلات عديدة حول دور الأجهزة المعنية بهذا القطاع الحيوي، ومدى كفاءة المعايير الرقابية المطبّقة ومقدرتها على مواكبة هذه التطوّرات الخطرة التي تمسّ بل وتهدّد مستقبل القطاع الحيوي، وتفقده الثقة من جانب المتعاملين معه من المرضى بمختلف فئاتهم، وقد تضرّ بسمعته على المستوى الدولي، خاصة في ظل وقوع الإمارات في بؤرة اهتمام الإعلام الدولي، الذي يبدي اهتماماً متزايداً بما تشهده الدولة من تطوّرات تنموية في مختلف القطاعات، هذا بالطبع بالإضافة إلى أن دولة الإمارات باتت إحدى الوجهات المفضّلة للعيش حول العالم، ومحطّ أنظار المؤسسات والمنظمات الدولية، وقد يتسبّب تزايد الحوادث الناجمة عن أخطاء طبية في الإضرار بموقع الدولة كوجهة سياحية في الأجل الطويل، ليتحوّل القطاع الصحي الذي يمثّل أحد الخيارات التي تعتمد عليها الدول لتنويع قطاعها السياحي إلى أداة مناقضة لدورها. وقد لا يخفى على أحد بالطبع أن المخالفات والأخطاء الطبية من أشد وقد تكون هي الأشد خطورة بالفعل بين مختلف أنواع المخالفات، كونها تمسّ حياة الإنسان بشكل مباشر، وقد يفقد بعضهم حياته بسببها، ومجيء هذه المخالفات والأخطاء من أشخاص أو مؤسسات يأتمنها المريض على حياته يقلب المعادلة تماماً، حيث يتحوّل الطرف المؤتمن على الحياة إلى سبب في إنهائها، وفي ظل هذه المعطيات فإن تدارك الأمر يستلزم تحرّكاً سريعاً ومدروساً ومنسّقاً من قبل المؤسسات المسؤولة عن الرقابة على القطاع الصحي في الدولة.