خلال مداخلة له في "منتدى الدوحة العاشر"، قدم عبدالله بشارة الأمين العام الأسبق لمجلس التعاون رؤية عن تطور الديمقراطية في دولة الكويت؛ مشيراً إلى أن مفاهيم الديمقراطية وقيمها انتشرت في الكويت قبل الدول الأخرى في المنطقة، إلى درجة أن "بعض هذه الدول أصبحت مذهولة من هذه الظاهرة رغم أنها تفاعلت معها بشكل سلبي"!. وأشار إلى أن هذا "الذهول" يعود بالأساس لقوة الدستور الكويتي الذي اعتمد حق تقرير المصير، والفصل بين السلطات، والشفافية. وتلك أفكار غربية وغريبة عن بعض دولنا العربية، ولكنها وردت في الدستور الكويتي. كما ألمح إلى حرية التعبير ونشاط مؤسسات المجتمع المدني وحكم الأغلبية. وخلص متسائلاً: "هل بالإمكان أن تتعايش الديمقراطية مع دولة الرفاه؟"، معتبراً أنه "لا تصالح بين دولة الرفاه والديمقراطية". وهذه قضية جاء الوقت كي يطرحها الخليجيون، بصفة خاصة، بروح من المسؤولية والحوار الموضوعي. ولنا بعض الأفكار في هذا الاتجاه: ابتداءً، هل من حق مواطن "دولة الرفاه" أن يطالب بديمقراطية؟! ذلك أن هذه الدولة "قامت بتوزيع مباشر لجزء من الثروة على الأفراد من خلال توزيع الأراضي عليهم، ومن ثم شرائها بأسعار عالية، وقد خلقت هذه السياسة نواة من المصالح حول (الدولة الريعية) الجديدة.. ما أدى إلى قيام ثروات خاصة مهمة إلى جانب ثروة الدولة المستندة إلى عائدات النفط، وهكذا ارتبطت تجارة الأراضي بثروة النفط من البداية" (عبدالله جناحي، الاقتصاد الريعي ومقومات الدولة الاقتصادية، فبراير، 2004). إن هذا الارتباط العضوي المصالحي بين بعض الفئات و"الدولة الريعية" شكل نمطاً اجتماعيّاً ثقافيّاً في الذهنية الخليجية. كما شكل سلوكاً ينبذ كل أشكال المطالبات بالتحول الديمقراطي أو تشكيل الدولة على أساس جديد يختلف عن نمط "الدولة الريعية". ولئن جاورَ هذا النمط أو الشكل لـ"الدولة الريعية"، الروتين والبيروقراطية والفساد، فإن "علاقة الدولة بالمجتمع في الوطن العربي هي علاقة هيمنة وخضوع؛ أي هيمنة الدولة وخضوع المجتمع، والحال أن تضخّم جهاز الدولة البيروقراطي وتمفصله، وبالتالي تمفصل الدولة في المجتمع واحتكارها تقديم الخدمات الاجتماعية، ومن ثم اعتماد الفرد في رزقه وعيشه وأمنه وأمن جماعته على الدولة، كل ذلك حدّ من إمكانية تشكل أو نمو مستقل لمنظمات المجتمع المدني بعيداً عن هيمنة الدولة وبالعكس فإن الحالة الغربية، إذا ما استثنينا الحالة الأميركية، لا تتيح للدولة الهيمنة على المجتمع وقواه الثقافية والسياسية والاجتماعية". (باقر النجار، الديمقراطية العصية في الخليج العربي، 2008). وإذن فإن واقع الحال في دول الخليج العربية لا ينبئ عن تحول قريب إلى أي من الأنماط الديمقراطية الحقيقية، باستثناء دولة الكويت، التي يدور حوار مثير اليوم حول ديمقراطيتها. حيث إن نشاط "الدولة الريعية" وسيطرتها، وتأقلم الناس -على الأغلب- مع ذلك النمط السياسي، يُبعد أي تصور أو حتى محاولة للمطالبة بالديمقراطية. كما أننا نلاحظ أن بعض الدساتير، على رغم جدّتها وحداثة صدورها، إلا أنها في الغالب تكون مُقيدة بقوانين صارمة قد تتعارض بعض أبعادها مع نص الدستور. وإذا ما ضعف الجانب الرقابي -المتمثل في البرلمانات- وعمل منظمات المجتمع المدني، فإن الكثير من الحقوق والامتيازات وأشكال الفساد تلازم هذه "الدولة الريعية" وبشكل تمتنع معه الجماعات المستفيدة من نعماء "الدولة الريعية"، وكذلك وسائل الإعلام عن تناولها. وهذا لا يؤدي حتميّاً إلى المشاركة السياسية وتطبيق فكرة سيادة الشعب الذي له حق المطالبة بحقوقه، حتى وإن توصل الأمر إلى فرض ضرائب -التي قد تحتم التمثيل السياسي. ولو سألت أي خليجي اليوم إن كان يرحب بفكرة فرض ضرائب مقابل الحصول على الديمقراطية، فإنه سيرفض الفكرة، مكتفياً بنعماء "دولة الرفاه" والامتيازات التي تمنحه إياها. ويحضرني هنا مثال بارز، حيث كنت في ورشة عمل حول التحول المدني في الخليج، وبرز شاب يدرس القانون في الجامعة ليقول: "نحن ننعم بالخير، والدولة ما مقصرة، وأنا عندي بيت وراتب، ولا نريد التحول المدني والأفكار الغربية التي لا تناسبنا". وهذا قول يكرره كثيراً أبناء "دولة الرفاه". وهذا المثال يجسّد فكرة تعاطي المواطن مع "دولة الرفاه"، وبالتالي فإن هذا المواطن لا يكترث للشفافية أو فصل السلطات. ولا تعني له قيم حق تقرير المصير وعدالة توزيع الثروة أو التحول المدني، أي شيء! وتكون علاقته مع "دولة الرفاه" علاقة نفعية محضاً! وبالتالي فإن علاقته مع أقرانه أو أفراد مجتمعه تكاد تكون معدومة أو مشلولة، لأن واقع الحال قد عوّدهُ على هذا الشكل من العلاقة. وهنا نود أن نرد على تساؤل بشارة، بأن معطيات "دولة الرفاه" لا تساعد على نشر قيم الديمقراطية، كما أن الدولة -أية دولة- لن تقدم الديمقراطية للشعب على طبق من ذهب! قد تكون هنالك إصلاحات تدريجية في النظام السياسي، مثل السماح بنشاطات محدودة للمجتمع المدني، أو فتح مراكز أو معاهد لقياس الرأي العام واتجاهاته، ولكن يظل ذلك في نطاق محدود. ونحن لا نختلف مع الدكتور باقر النجار في أن "النفط وحضوره أو انتفاء الضرائب، لا ينفي قدرة المجتمع -أي مجتمع كان- على تشكيل قواه السياسية والاجتماعية المطلبية، كما أنهما لا ينفيان عن هذه المجتمعات توقها إلى الديمقراطية والإصلاح والعدالة". لكننا نختلف معه حول (القدرة) أو المزاج الاجتماعي! ذلك أن تلك القدرة أو المزاج الاجتماعي غير متوفرين في أغلب دول الخليج! كما أن نشوء المجتمعات الخليجية -في الأغلب- لا يساعد على توفرها. وهي محكومة بجدلية (عطاء النفط وغياب الضرائب).