بعد إجراءات مذلة ومهينة مغلفة بابتسامات بلهاء سمحت شرطة الاحتلال الإسرائيلي لنا بدخول الحرم القدسي الشريف. فشلت محاولاتهم لدفعنا لأي حديث ودي أو إيجابي، وحاولنا أن نستجيب لطلبات التفتيش وإظهار تصاريح الدخول التي أمّنتها السلطة الفلسطينية بإجراءات معقدة، بأقل قدر من الحديث، وأجبنا إجابات مقتضبة للغاية. عندما أردت الدخول للصلاة في "الأقصى" وضعت حقيبة سفر كنت أحملها بجانب باب المسجد، فجاء حارس فلسطيني، وتبرع بأن يحفظها في غرفة الحراسة. ولما خرجت من الصلاة، وأخذت الحقيبة بادرني حارس آخر ومن معي يسأل: هل أنتم مغاربة؟! أوضحنا له أصولنا الفلسطينية والأردنية، وظنناه يحتج على قيامنا بالتصوير، ولكنه على العكس قال: أديروا كاميرات التصوير، وبدأ يشرح عن البؤر الاستيطانية المحيطة بالحرم، وبدأ يتحدث عن الأماكن التي يتعرضون منها لإطلاق النار من المستوطنين وهم على بوابات الأقصى. بعد قليل تكرر ذات السؤال، ولا أعرف السبب؛ سأل حارس آخر: هل أنتم مغاربة؟ أجبنا ذات الإجابة. ورحبوا بنا. قبل الدخول للحرم سألت تاجراً في القدس القديمة، تنبئ سيماء وجهه ومعروضاته، بتبنيه الإسلام السياسي، سألته: هناك من يقول إنّ زيارتنا هذه تطبيع، ما رأيك؟ أجاب: بل تعالوا قدر استطاعتكم. كررت السؤال وماذا عن تهمة التطبيع؟ أجاب بحزم: "إنهم لا يعرفون". على بعد عشرات الأمتار من أسوار القدس، يقع حي البستان، في بلدة سلوان. عشرات المنازل مهددة بالهدم. قال لنا أهالي البلدة، وكان ذلك مطلع هذا الشهر، إنّ منتصف يونيو هو موعد الهدم المتوقع (أي أن الهدم لم يتم في الموعد المتوقع، ولكن مشاريع الهدم مرتقبة). وهدم هذه البيوت جزء من ورشات عمل يومية بعضها جارٍ تنفيذه على الملأ، وبعضها في طور الإعداد، لزرع الأحياء المقدسية العربية بالبؤر الاستيطانية، ولإخراج العرب منها. وخطة "حي البستان" مثلا بدأ التخطيط لها، ما قبل نحو 7 إلى 8 سنوات. وهناك الآن أنفاق وحفريات تحت البلدة القديمة. وما يعرقل المخططات هو إلى حد كبير حركات التصدي الفلسطينية الشعبية. قبل أيام أعلن اعتقال ناشطين من البلدة، ومن الواضح أن المقصود اعتقال القادة الميدانيين الذين يتصدون عادة لجرافات الهدم بصدور عارية. الفلسطينيون في القدس، يتسامون على الانقسام الفتحاوي- الحمساوي، ويقفون صفّاً واحداً. وسندهم الرئيس وحدتهم والفلسطينيون في المناطق المحتلة عام 1948. وأهالي الضفة الغربية ممنوعون من الدخول للمدينة وينتصب الجدار العازل سدّاً في وجه دخولهم المدينة. ما أقرته القمة العربية الأخيرة في ليبيا من تبرع بنحو نصف مليار دولار للمدينة، وعلى رغم أنّه أقل بكثير مما تحتاجه المدينة، ولا يداني ما يتبرع به أفراد صهاينة لتغيير واقع المدينة، بقي حبراً على ورق. كثيرا ما استطاع الفلسطينيون في الماضي الوقوف في وجه مخططات إسرائيلية في القدس، وإبطالها، وحافظوا على نسبة وجودهم في المدينة، ولكن مع دفع ثمن باهظ من المعاناة، وحالة الفقر وسوء الخدمات والبطالة والركود الاقتصادي بادية جداً في المدينة، ترافقها الظواهر المعروفة في هذه الحالة، والتي يشجعها الاحتلال، من مخدرات وسرقات وغير ذلك. ويمكن تحويل المأزق الحالي إلى بوابة للوحدة الوطنية الفلسطينية، على قاعدة تسامي الجميع عن خلافاتهم لصالح المدينة. بل إنه يمكن خوض حركة نضال موحدة تجمع فلسطينيي الضفة بانتماءاتهم السياسية المختلفة مع فلسطينيي عام 1948، وهو ما يشكل نقلة نوعية في وحدة العمل الفلسطيني، في "كل" فلسطين. ويبقى السؤال، أين الجهد العربي الموحد الشعبي والرسمي؟ وهل سنبقى نردد شعارات مثل أنّ الزيارة تطبيع؟ ونبقى نعلن عن تبرعات شعبية ورسمية عربية لا تصل؟