صدر كتاب في ألمانيا بقلم "غابريلييه كوب"، عنوانه "لماذا كنت فقط فتاة؟"، ولعل الترجمة الأدق لهذا العنوان هي "لماذا يا رب خلقتني أنثى؟"، أو كما تساءل القرآن الكريم: "وإذا الموؤدة سئلت بأي ذنب قتلت؟". المؤلفة التي تجاوزت الثمانين حاولت رواية قصتها بدون تزويق ولا مواربة أو إخفاء وإقصاء، محاولةً كسر حاجز الصمت الذي تحاول المرأة فيه إخفاء انتهاك أنوثتها. وقد قدمت بكل شجاعة قصة تعرضها للاغتصاب من قبل الجنود السوفييت خلال الحرب العالمية الثانية. لقد اغتصبوها مراراً على مدى أسبوعين، حطموا حياتها ونغصوا عيشتها حتى هذه اللحظة. تقول "كوب" بعد أن عاشت 29200 يوماً، إن حياتها تعرضت للتدمير في 14 يوماً، وكانت في الخامسة عشرة. إن قصص اغتصاب النساء في ألمانيا بعد الاجتياح السوفييتي، فصل أسود في تاريخ الأمتين، كما حصل في البوسنة التي اغتصب فيها أكثر من خمسين ألف امرأة، وباتت أرضاً للحكايات الدامية والمذابح الجماعية، ما يجعل التاريخ الإنساني أقرب لرواية عبثية! فعل الاغتصاب يترتب عليه إشكال قانوني خطير جراء وجود أطفال "غير شرعيين"؛ فالرحم لا يعرف المني من أي جاء، بل هنا يسري قانون مختلف من البيولوجيا لا علاقة له بقوانين العائلة والوفاء والحب والمودة والعلاقات الإنسانية. الحيوانات تتناسل بالطريقة نفسها ولا تعرف قانون الإخلاص الزوجي، بل تتناكح وفق قانون غريزي بحت، وكذلك يحصل في ظروف الاغتصاب، حيث يجري اغتصاب الإرادة الإنسانية، خلافاً لعلاقة الرضا في النكاح الشرعي، والتي منها وصف الرب العلاقة بالسكينة والخفة، فقال: "ليسكن إليها زوجها فلما تغشاها حملت حملا خفيفاً فمرت به"، بل يذهب حتى في اللحظة الشهوانية إلى تلطيف العبارة في سورة يوسف بتعبير "هيت لك"!، وكذلك في قوله: "ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه". و"كوب"، الساكنة حالياً في برلين، سجلت الوقائع بدقة بالغة وباللحظات، بدون زخرف في العبارات، فجاءت قصتها فيلماً مصوراً للوقائع، ولم تلفظ كلمة اغتصاب قط، بل استخدمت تعبيرات مثل البوابة إلى الجحيم، ومكان الرعب. وقد درس "فيليب كوفيرت" هذه الظاهرة الصادمة للروح على 27 سيدة من هذا النوع، لكن معظم جيل الحرب طواه الموت ولم يبق من مخبر عن هذه الفظائع، ولعل "كوب" ستكون آخر من يتكلم بهذه الصراحة والجرأة عن نفسها بدون خجل أو شعور بالذنب... إنها شهادة للعالمين على جرائم بني البشر. ومما ظهر في دراسة "كوفيرت" الميدانية، أنه عقب انهيار الرايخ الألماني، تم اغتصاب مليوني امرأة ألمانية! وتذهب المؤرخة "بيرجيت بيك هيبنر"، المختصة في أبحاث الاغتصاب والحرب، إلى أن ما يجري من حوادث اغتصاب لا يذهب بالدرجة الأولى إلى إذلال الشعب المحتل، بل هو إشارة متعمدة إلى أنه ليس من جيش يحمي ولا قيادة سياسية تدير دفة المجتمع، وأن المجتمع مستباح بكل ما فيه للغازي... ولأن المرأة تمثل الطرف الضعيف، فقد جرت العادة أن الاغتصاب يحدث عادة في العلن أمام الشهود بدون خجل ولا رحمة، فلا يبقى الإنسان إنساناً بل شيطاناً مريداً ووحشاً كاسراً. قصص الاغتصاب تعني اغتصاب الإرادة والعدوان على أصل الحياة بتحميل المرأة حملاً لا تريده وتحويلها إلى قطعة قذرة بدل الرحمة والجمال والأنوثة الرائعة. وقد قالت امرأة بوسنية في معرض الاغتصاب: كنا نشعر بأننا لسنا من طينة البشر، بل أدوات للقذارة والامتهان!