الإسكان العشوائي بأشكاله المختلفة يعدّ ظاهرة غير حضارية، لا تشوّه معالم الجمال التي تتمتّع بها كثير من مدن العالم وحسب، وإنما أيضاً لما تفرزه من مشكلات سلبية عديدة تمسّ أمن المجتمعات التي تنتشر فيها واستقرارها، وعلى هذا فإن التصدّي لهذه الظاهرة والقضاء عليها أو على الأقل حصرها في أضيق نطاق، يعدّ من الأهداف المهمّة التي تسعى إلى تحقيقها مدن العالم المختلفة، خاصة تلك التي تطمح إلى أن تكون ضمن الأفضل والأجمل عالمياً. أبوظبي تعدّ واحدة من هذه المدن، التي تطمح حسبما هو مخطط ضمن استراتيجية الحكومة لعام 2030، إلى أن تكون واحدة من أفضل خمس عواصم حول العالم، ولذا تسعى جاهدة إلى إبراز معالم الجمال التي تتمتّع بها من ناحية، وإزالة أي مظاهر قد تشوّه صورتها الحضارية من ناحية ثانية، ويعدّ الإسكان العشوائي بأشكاله المختلفة، إحدى السلبيات التي تسعى جاهدة إلى التصدّي لها، بشكل عملي وممنهج. في هذا السياق تأتي أهميّة الحملة التي أطلقتها "بلدية أبوظبي"، مؤخراً، بالتعاون مع "القيادة العامة لشرطة أبوظبي" ووزارة العمل و"الإدارة العامة للدفاع المدني" و"إدارة متابعة المخالفين والأجانب" في "الإدارة العامة للجنسية والإقامة"، حيث تستهدف محاصرة ظاهرتي الأبنية العشوائية والأخرى الآيلة إلى السقوط أو المهجورة، وكذلك تحجيم انتشار رقعة سكن العزاب التي أصبحت تشكّل قيداً على خصوصية كثير من الأسر، وحرية الحركة لديهم. خطورة الإسكان العشوائي لا تتوقف عند كونه يشوّه الوجه الجمالي والحضاري لأبوظبي، ويعوق خططها الهادفة إلى أن تصبح مدينة حضارية وبمعايير ومواصفات عالمية، بل إنه يتسبّب أيضاً في العديد من الكوارث والمشكلات التي تطال قاطنيه، كاندلاع حوادث الحرائق الناجمة عن غياب معايير الأمن والسلامة في كثير من أشكال الإسكان العشوائي، كما أنه يوفر بيئة ملائمة لانتشار الأمراض، فالإضافات السكنية والملحقات التي يتم تنفيذها داخل الفلل والشقق والمباني السكنية والتجارية، وهي في أغلبها مخالفة، تتحوّل إلى أماكن أشبه ما تكون بالمعلّبات التي تفتقر إلى أدنى ما تتطلّبه اشتراطات الصحة العامة، ما يهدّد الحياة الطبيعية لقاطنيها، ناهيك عمّا تسبّبه هذه الظاهرة من ضغط كبير على المرافق الأساسية للبنايات، وهو الأمر الذي قد يؤثر في مستوى الخدمات فيها. المشكلات لا تتوقف عند هذا الحد، بل إن هناك ما هو أخطر، حيث تشير كثير من الدراسات إلى أن الجريمة بمظاهرها المختلفة تنتشر في مناطق الإسكان العشوائي، وهو الأمر الذي يؤدّي بدوره إلى استنزاف الكثير من جهد الأجهزة الأمنية ووقتها لمواجهتها، فضلاً عمّا يشعر به قاطنو هذه المباني المخالفة من إحساس بعدم الأمن والأمان. إن الحملة التي أطلقتها "بلدية أبوظبي"، مؤخراً، للتصدّي لمشكلة الإسكان العشوائي بمظاهره المختلفة في أبوظبي تعكس بلا شكّ وجود إدراك عميق بخطورة التأثيرات السلبية التي تترتب على هذه الظاهرة غير الحضارية، ولا سيّما أن هناك تعاوناً ملموساً من الجهات المعنية الأخرى لإنجاح هذه الحملة، كما أن هناك بالفعل إجراءات وحلولاً تمّ اتخاذها خلال العامين الماضيين، وتتعاطى مع الأسباب التي تقف وراء انتشار هذه الظاهرة، كإقامة المدن العمالية أو في توفير الإسكان المتوسط الذي يلائم قسماً كبيراً من المقيمين والقادمين للعمل في الدولة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.