قام رئيس مؤسسة الفكر العربي سمو الأمير خالد الفيصل في ديسمبر الماضي بتدشين المرحلة الثانية من الترجمة المتبادلة بين العربية والصينية، ونوه الفيصل إلى أن المؤسسة قد شرعت في الاهتمام بموضوع الترجمة منذ تأسيسها قبل تسع سنوات، وقد نشطت في هذا المجال خلال العامين الماضيين، كما أن الجانب الصيني أبدى استعداداً كبيراً للتعاون في مشروع الترجمة.وقد أشار "قوه شياه يونج" نائب رئيس المؤسسة الصينية الدولية للنشر إلى أن المؤسسة لديها إنتاج وافر من الكتب، فهي "تقوم بنشر أكثر من ستة آلاف كتاب خلال العام، بالإضافة إلى امتلاكها سبع دور نشر وخمس مجلات وموقعا إلكترونيا حكوميا" . تساءل الكثيرون في العالم العربي منذ بروز الصين والثقافة الصينية على الصعيد الدولي، ما مدى اهتمامنا بهذه الحضارة العريقة التي عرفها العرب والمسلمون منذ القرون الأولى، وأشارت كتب التاريخ العربية ومؤلفات الجاحظ وغيره إلى ملامح من ثقافتهم وفكرهم؟ بل المعروف أن الصينيين هم الذين نقلوا صناعة الورق إلينا، فقد انتصر العرب على الصينيين في معركة تالاس، بالقرب من طشقند عام 751م، وأُسر عدد كبير من الصينيين قيل إنه بلغ عشرين أو خمسين ألفاً وأكثر، على ما يذكر ابن الأثير. وتعد هذه المعركة تصادماً عسكرياً كبيراً نادراً في العلاقات الصينية - العربية عبر التاريخ أو تصادماً وحيداً، وقد انتقلت صناعة الورق بعد هذه المعركة من الصين إلى آسيا الوسطى ثم منها إلى ما بين النهرين ثم إلى قارة أوروبا. ويقول د. تشونج الأستاذ بجامعة بكين في بحث شيق عن علاقة الثقافتين العربية والصينية إنه "كان بين الأسرى الصينيين مثقفون وفنيون وحرفيون فاستفاد منهم العرب وأقاموا في سمرقند ورشة لصناعة الورق لقيت ترحيباً كبيراً وأحدثت ثورة ضخمة في عالم الكتابة والتدوين، ثم انتشرت صناعة الورق في البلاد العربية والبلاد الأوروبية، وكان من الأسرى رسامون ونساجون وسباكون عاشوا في بلاد العرب". ويضيف د. تشونج أنه كان بين الأسرى مثقف صيني كبير اسمه "دو هوان"، أسر في نفس المعركة، ومكث في البلاد العربية 12 سنة، تجول خلالها في أقاليم آسيا الوسطى والعراق والجزيرة العربية، وعاد إلى الصين في سنة 763م، عن طريق البحر، وكتب بعد العودة كتاب "مشاهدات في الرحلات"، وهو كتاب جغرافي أساساً ذكر فيه أسماء البلدان وأوصافها ومواقعها والجبال والأنهار. وقد "سجل دو هوان مشاهداته في البلاد العربية والإسلامية بكل دقة وصدق، وهي معلومات صحيحة حتى اليوم، مثل الصلوات الخمس يومياً وصلاة الجمعة وخطبة الإمام وتحريم لحم الخنزير والخمور وعقوبات المجرمين. وهو أول كتاب صيني يتحدث عن الإسلام والمسلمين، حتى لم نجد مثله بهذه الدقة والإخلاص بعده في عصر سلالة تانغ وصارت مقتطفات الكتاب مصدراً مهماً لدراسات تاريخ الإسلام في الصين". كان التجار العرب يحتلون الترتيب الأول من بين التجار الأجانب في الصين من حيث حجم الثروة، وكان أباطرة الصين يعينونهم في المناصب المهمة لجلب الاستثمارات الأجنبية للصين، وحسب السجلات الصينية الرسمية، فإن من سنة 968 إلى 1168م، قدم العرب الهدايا إلى أباطرة الصين 49 مرة، وقد رافق تزايد عدد التجار نشر الدين الإسلامي في الصين وامتزاج الثقافتين. تجدد الاهتمام العربي بالصين شعباً وثقافة مع ثورتها وتوالي التطورات السياسية فيها في بداية القرن العشرين، وفي سنة 1931 بدأت المدارس الإسلامية الصينية ترسل الطلبة الصينيين المسلمين إلى الأزهر لدراسة العلوم الدينية، وكانت البعثة الأولى مؤلفة من خمسة طلاب، ثم تتابعت البعثات حتى البعثة السادسة سنة 1938، وبلغ عدد طلبة البعثات الست حوالي أربعين طالباً، فكان هؤلاء منطلق الدراسات المنتظمة للعلوم الدينية الإسلامية للصينيين المسلمين الذين كانوا يتلقون علومهم الدينية في البيوت أو مدارس المساجد، على المخطوطات العربية أو الفارسية، وهم أيضاً، يقول د. تشونج: "النواة الأولى للنهضة الثقافية الإسلامية والعربية في الصين في العصر الحديث، وحملة الرايات للتجديد والتطوير الثقافي والفكري في الصين، خصوصاً في أواسط المسلمين الصينيين". ومن مشاهير البارزين محمد ماكين وعبدالرحمن ناتشونج ورضوان رون، وكان لهم جهدهم المعروف في مجال الترجمة عن العربية والإنجليزية، ومن الكتب التي ترجمت كتاب "رسالة التوحيد" للشيخ محمد عبده، وكذلك كتابه المعروف "الإسلام والنصرانية"، الذي نشرته "دار الإسلام" في شنغهاي سنة 1936، وكتاب "تاريخ العرب" لفيليب حتى وغيره، وترجم الصينيون كتاب "الحوا" لكونفوشيوس إلى العربية، ونشرته المطبعة السلفية بالقاهرة سنة 1935، ويعد الأستاذ "محمد ماكين" مؤسس قسم اللغة العربية بجامعة بكين سنة 1946 وللأستاذ عبدالرحمن ناتشونج وهو يحمل شهادة العالمية من الأزهر، العديد من المؤلفات في مجال الثقافة العربية، وقد ترجم كتاب "فجر الإسلام" و"ضحى الإسلام" لأحمد أمين، وأَلّف كتاب "الدروس العربية" في عشرة أجزاء، و"قواعد اللغة العربية" في أربعة أجزاء، أما الأستاذ "رضوان رون"، فقد أشرف على تأليف كتاب "معجم الصينية - العربية ومعجم الصينية - العربية للمصطلحات العلمية والتكنولوجية المبوبة". وقد تم نشر عدد كبير من الكتب العربية والإسلامية خلال السنوات الأخيرة، بعضها مترجمة عن الأصل العربي وبعضها من تأليف وإنتاج الأكاديميين والباحثين الصينيين. من هذه الكتب "الفلسفة العربية المعاصرة"، "تاريخ الاتصالات العربية - الصينية"، "موجز تاريخ الإسلام في الصين"، ومن الأعمال الأدبية الحديثة المترجمة "ألف ليلة وليلة"، وأعمال نجيب محفوظ وإحسان عبدالقدوس وجبران خليل جبران، وأعمال أخرى من الأدب السوري واللبناني والعراقي واليمين والجزائري، وقد فاق عددها المائة وستين عملاً لأكثر من ثمانين كاتباً عربياً، إلى جانب القواميس والموسوعات مثل "الموسوعة الإسلامية - الصينية"، و"معجم الحكم والأمثال - عربي صيني".. إلخ. وكان تدريس اللغة العربية وثقافتها على مستوى التعليم الأكاديمي، كما يتحدث عنه كتاب "الثقافة العربية" الصادر في تونس عام 1999، يتم في سبع جامعات بالصين يعمل فيها ما يقرب من مائة وعشرين مدرساً، وقد تخرج في غضون خمسين سنة منذ إنشاء أول قسم عربي في جامعة بكين سنة 1946 حتى اليوم ما يزيد عن ثلاثة آلاف طالب وطالبة، أربعون منهم يعملون في مجالات التعليم والسياسة والدبلوماسية والتجارة، وأصبح الكثير منهم جزءاً من النخبة الصينية في مختلف المجالات. وقد تم في الصين كذلك إنشاء مؤسسات علمية عربية مثل "مجمع اللغة العربية في الصين" و"جمعية بحوث الأدب العربي في الصين" و"معهد بحوث الحضارة العربية - الإسلامية" في جامعة بكين، و"مركز الدراسات للثقافات الشرقية" التابع للأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية و"معهد بحوث الثقافة الشرق أوسطية" في جامعة شنغهاي للغات الأجنبية. ومن نواحي التواصل الثقافي بين العرب والصين إصدار المجلات العلمية والثقافية مثل مجلة "العالم العربي" ومجلة "المسلم الصيني" ومجلة "الفتح" ومجلة "دراسات قومية هوي المسلمة" ومجلة "الشباب المسلمون" وجريدة "المرأة المسلمة". وقد ظهرت منذ عام 1927 حتى سنة 1990 عشر ترجمات للقرآن الكريم باللغة الصينية، وكانت أول ترجمة لمعاني القرآن بالكامل للمترجم تسي تشينج وهو صيني غير مسلم، أسلم بعد أن ترجم معاني القرآن الكريم إلى الصينية.. عن الترجمة اليابانية، وتمت الترجمة الثانية على يد مجموعة من المترجمين نقلوا القرآن من العربية سنة 1931.