مثل ظهور التجارة الإلكترونية إيذاناً بحدوث تغيرات جذرية في سائر مناحي الحياة وعلى صعدها المختلفة، ولم تقتصر هذه التغيرات على المجالي التجاري والتسويقي فحسب، بل شملت هيكلية الدول والمجتمعات؛ فتغيرت المؤسسات، وأساليب الإنتاج وعلاقاته، وطرائق أداء الأسواق. إنها تغيرات واسعة، التي طالت أنماط العلاقات والنظم والسلوك... والتي يرصد تطوراتها المتواصلة ويستشرف آفاقها القادمة كتاب "التجارة الإلكترونية... المستقبل الواعد للأجيال القادمة"، للدكتور محمد عبد الحسين الطائي، الذي يعتبر في مقدمة الكتاب أن التجارة الإلكترونية تمثل المستقبل الواعد لاقتصاديات الدول المتطورة والدول الساعية للحاق بركب التطور والمنظمات العاملة فيها. ولتغطية جوانب موضوع كتابه، يقسمه إلى أربعة أقسام تتناول ماهية التجارة الإلكترونية، وبنيتها التحتية، ومواقع الويب التجارية، وأخيراً تطبيقات التجارة الإلكترونية. لكنه قبل ذلك يستعرض تاريخ التجارة الإلكترونية، قائلا إن هذا المفهوم ظهر في منتصف تسعينيات القرن الماضي عندما بدأت المنظمات باستخدام الإنترنت وشبكات الحاسب الآلي لتنفيذ أعمالها وإدارة علاقاتها مع الشركاء، من موردين وزبائن وموظفين ومنافسين وغيرهم. ورغم التباين في تحديد مراحل تطور التجارة الإلكترونية، وتضارب الأرقام الخاصة حول حجمها في الماضي والحاضر، فإن كل المؤشرات تقريباً تفيد بأن التجارة الإلكترونية أصبحت حقيقة قائمة، وأن آفاقها وإمكاناتها لا تقف عند حد. لكن ماذا عن مفهوم التجارة الإلكترونية نفسه؟ يعرض المؤلف وجهات نظر وتعريفات مختلفة لهذا المفهوم، كما يناقش الخصائص الجوهرية للتجارة الإلكترونية؛ مثل: خاصية كلية الوجود (كونها متاحة في كل مكان وحين)، الوصول العالمي، المعايير العالمية، إثراء الرسالة، التفاعلية في اتجاهين أو أكثر، كثافة المعلومات، الفردية والتوجه نحو الزبون. ومن ذلك يصل المؤلف إلى أن التجارة الإلكترونية هي "عملية بيع وشراء ونقل أو تبادل للمنتجات، وغيرها من أنواع المعاملات التجارية، بطرق إلكترونية وعبر شبكة المعلومات الدولية". ويتطرق الكتاب أيضاً إلى أنواع الضغوط والاستجابات المصاحبة للتجارة الإلكترونية، لاسيما المنافسة في ظل الاقتصاد الرقمي، وضغوط البيئة واستجابة المنظمات، وأخيراً صعوبة قياس آثار التجارة الإلكترونية. كما يتناول بعض المحددات والمخاطر التي تواجه تطبيقات التجارة الإلكترونية. وبالنسبة للمحددات فإنها فنية وغير فنية، أما المخاطر فوظيفية وأمنية، إضافة إلى مخاطر أخرى ناشئة عن نماذج وخدمات الأعمال الجديدة، وعن عمليات تكنولوجيا الأعمال الجديدة. بيد أن التجارة الإلكترونية تستلزم بنية تحتية سليمة لتنفيذ تطبيقاتها، لأن انتشار تطبيقات التجارة الإلكترونية في بلد ما مرتبط إلى حد بعيد بانتشار الإنترنت فيه، إلى جانب أجهزة الحاسب الآلي وشبكات الهواتف وأجهزة الفاكس. وترتكز تلك التطبيقات على نوعين رئيسيين من التكنولوجيا؛ تكنولوجيا النشر التي تعد ضرورية لإعداد المحتوى الرقمي، وتكنولوجيا التوزيع الضرورية أيضاً لتسهيل تدفق المحتوى الرقمي. وإلى جانب الشبكات وتكنولوجيا النشر والتوزيع، يتعين امتلاك البنية التحتية لخدمات الأعمال؛ والتي تشمل خدمات الإرشاد، وخدمات المواقع والبحث، وسرية البيانات والمعلومات، فضلا عن الجوانب الأخلاقية والاجتماعية والسياسية. وحول أهمية موقع الويب للتجارة الإلكترونية، يقول المؤلف إن بناء موقع متقدم للتجارة الإلكترونية ليس مهمة سهلة، إذ يستلزم الموقع التجاري الإلكتروني الناجح إدارة كفؤة وفاعلة، تمتلك رؤية استراتيجية سليمة، ورسالة واضحة، وأهدافاً محددة، وسياسات وخيارات استراتيجية سليمة... في إطار الوعي والإدراك لأهمية تطبيقات التجارة الإلكترونية ودورها في نجاح المنظمة التجارية وتحقيق الميزة التنافسية لها. وحول تطبيقات التجارة الإلكترونية يقول المؤلف إنها تتوالى في الظهور باطراد، في جميع المجالات وعلى نحو يكاد يمثل الصورة الأبرز لثورة المعلومات نحو المستقبل. وقد تناول أحد عشر نوعاً من أهم التطبيقات الشائعة، وهي على التوالي: البنوك الإلكترونية، الحجز الإلكتروني، البحث الإلكتروني عن الوظائف والسلع والخدمات، التعليم الإلكتروني، الإعلانات الإلكترونية، النشر الإلكتروني، المزادات الإلكترونية، الحكومة الإلكترونية، السياحة الإلكترونية، التسوق الإلكتروني، وإدارة سلسلة التزويد الإلكتروني... وهي تطبيقات تتوسع آفاقها مع التوسع المتواصل في ثورة المعلومات وتقنيات الاتصال الرقمية. محمد ولد المنى ------ الكتاب: التجارة الإلكترونية... المستقبل الواعد للأجيال القادمة المؤلف: د. محمد عبدالحسين الطائي الناشر: دار الثقافة للنشر والتوزيع تاريخ النشر: 2010