كان ذلك اليوم الذي اختطفت فيه سفينة القبطان ريتشارد فليبس البالغ من العمر ثلاثة وخمسين عاماً، يوماً عادياً من أيام عمله ورحلاته التي لا تنتهي في البحار. غير أنه اختلف عنها كثيراً لدى هجوم القراصنة الصوماليين واختطافهم لسفينة "ميرسك ألباما" التي كان يعلوها العلم الأميركي، وكانت محملة بالأغذية والمواد الزراعية التابعة لبرنامج الأمم المتحدة للأغذية. عن ذلك الحدث يخبرنا القبطان نفسه، شارحاً ملابسات حادثة الاختطاف والظروف التي مر بها هو وبقية أفراد طاقم السفينة إلى حين انجلاء الأزمة الخطيرة. فعلى حين غرة انقلب كل شيء ظهراً على عقب، كما يقول القبطان، منذ اللحظة التي صعد فيها عدد من القراصنة الصوماليين. ولم يكن يتوقع المعتدون أن يرد لهم طاقم السفينة الصاع صاعين، لأن القراصنة اعتادوا على استسلام أطقم السفن التي يصعدون إليها منذ الوهلة الأولى. كما لم يتوقع القراصنة أن يقدم قبطانها نفسه رهينة لديهم فداءً لبقية أفراد طاقمه. فتلك شجاعة لم يعهدوها في الكثير من السفن التي يسطون عليها بشكل يومي تقريباً. وبذلك بدأت رحلة الأيام الخمسة العصيبة التي عاشها فليبس بين يدي القراصنة، حتى تمكنت "قوة عجول البحر" التابعة لسلاح البحرية الأميركية من إنقاذه واعتقال ثلاثة من مختطفيه الصوماليين أخيراً. وكما يقول القبطان في كتابه، فإن مثل هذه القصص التي تتدخل فيها القوة العسكرية أحياناً، عادةً لا تنتهي إلى هذه النهايات السعيدة التي حظي هو بإحداها. التلخيص أعلاه هو مجرد الهيكل الخارجي العام لقصة أو تجربة القبطان المختطف مع القراصنة الصوماليين الذين اقتادوه إلى أحد الشواطئ البحرية الخطيرة على متن زورق صغير مهترئ قابل لأن يتعرض للنيران والهجوم في أي لحظة أثناء رحلته من عمق البحر نحو الشاطئ. وهي قصة تحمل في ثناياها وتفاصيلها الكثير من معاني الشجاعة وروح المغامرة والقدرة على التصرف في مثل هذه الأزمات غير المتوقعة، وإحسان إدارتها بقدر المستطاع. فليس الاختطاف أمراً سهلاً كما نعلم لأنه عادة ما يحاط بتهديدات القتل وإمكانية حدوثه في أي لحظة، والترهيب بالإعدامات الكاذبة، إلى جانب المخاطر الجدية التي تحيط بمحاولات الهروب من المختطفين. وكل ذلك يشكل المادة الرئيسية للتجربة الشخصية التي مر بها القبطان وحرص على روايتها للآخرين، عسى أن يتعلم الكثيرون درساً من هذه الدروس الخطيرة، إلى جانب التنبيه إلى خطر نشاط القرصنة بحد ذاته، بصرف النظر عن بيئته وموقعه والوسائل المستخدمة فيه. ويتلخص الدرس الأساسي الذي يمكن تعلمه من هذه القصة ليس في تفاصيلها بالطبع، ولا في تمجيد الذات وإظهار الشجاعة الفردية في مواجهة خطر القرصنة، إنما في صراع الإرادات القوية ضد هذا العمل الإجرامي ومكافحته بالوسائل الخاصة إن دعا الأمر. وكانت حادثة اختطاف السفينة الأميركية "ميرسك ألباما" قد سيطرت على نشرات الأخبار وعناوين الصحف الأميركية والعالمية لمدة خمسة أيام في شهر إبريل من العام الماضي. وتشير تجربة القبطان فليبس إلى تنامي خطر القرصنة الصومالية التي سجلت ارتفاعاً لحظة اختطاف السفينة "ألباما" قدرت نسبته بنحو 20 في المئة خلال الربع الأول من العام المنصرم. ومن سوء حظ القبطان أنه لم يتول مهمة قيادة تلك السفينة إلا قبل وقت قريب جداً من لحظة اختطافها. وكان يخشى مثل غيره من البحارين خطر القرصنة الذي عرفت به السواحل الصومالية. ومنذ عام 2005 بدأ البحارة تفادي السواحل الصومالية بالبعد عنها بخمسين ميلاً ثم مئة ميل ثم ستمائة ميل على أمل النجاة من غارات القراصنة المتصاعدة. ومن بين هؤلاء البحارة كان فليبس على قناعة خاصة بأن صعود القراصنة إلى السفينة يعني نهاية كل شيء. ولسوء حظه فقد كانت تجربته الشخصية التي مر بها تأكيداً عملياً لهذه القناعة. فعندما جاء الدور على سفينته "ألباما" لم يستغرق القراصنة المسلحون سوى خمس دقائق فحسب ليتمكنوا من فرض سيطرتهم التامة عليها. وفيما يتعلق بإدارة أزمة الاختطاف، فإن الدرس الأخلاقي القيادي المهم الواجب تعلمه هو الإيثار والتضحية لإنقاذ أرواح الآخرين وضمان سلامتهم من الخطر. ذاك هو "الواجب" الذي ارتآه القبطان وجعل منه عنواناً لكتابه كله. وتتطلب التضحية كما نعلم إرادة قوية وقدرة على تحمل الخطر ومواجهته. وفوق ذلك كله فإن أهم ما يجب إحسان إدارته في أزمة الاختطاف، عدم الانكسار أمام المختطفين وإبداء رباطة الجأش وإشعارهم بطريقة ما بضعفهم وجبنهم، دون استعدائهم أو استفزازهم بالطبع. هي تجربة شخصية مر بها القبطان، لكنها ليست خاصة ولا قاصرة عليه وحده كما نعلم. ومن هنا تبقى قابلة للتعميم والفائدة العامة لكل من يغامر أو تسوقه الخطى إلى سواحل القرصنة الصومالية أو غيرها. عبد الجبار عبد الله ------ الكتاب: واجب القبطان... القراصنة الصوماليون، قوة "عجول البحر" والمخاطر المؤلف: ريتشارد فليبس الناشر: دار "هايبريون" للطباعة والنشر تاريخ النشر: 2010