ألقى رئيس الوزراء التركي أردوغان في فبراير الماضي، خلال المنتدى العالمي الأميركي الإسلامي في الدوحة بقطر، خطاباً طالب فيه بإنهاء "الحصار" على غزة، وبرفع الحصار الإسرائيلي، البري والبحري والجوي للقطاع. ثم ساند أردوغان نداءه بإرسال "أسطول الحرية" إلى غزة، فقام الجيش الإسرائيلي بالهجوم على الأسطول وقتل عدداً ممن على متنه، لتندلع أزمة جديدة دفعت تركيا لمزيد من التصميم على مطالبة هيئات المجتمع الدولي، بما فيها مجلس الأمن، باتخاذ إجراءات ضد إسرائيل. لقد فشل حصار غزة، ولم يحقق أهدافه في إضعاف سيطرة "حماس"، بل أدى إلى تقويتها، بينما تراجعت "فتح"، الخصم القديم لـ"حماس" في القطاع. أما معارضو سيطرة "حماس" على غزة فأصبحوا أساساً أفراد المجموعات الأكثر تطرّفاً وأصولية. أما حليفتنا مصر، فإنه بسبب استمرارها في إغلاق الحدود مع غزة، أصبح كثير من المسلمين فيها يرون أنها تعمل على تيسير الحصار، فقرر أخيراً رئيسها مبارك فتح المعبر الحدودي مع غزة، لكن من غير المحتمل أن يكون فتحاً دائماً. لقد أضرّ الحصار بموقف أميركا في العالم الإسلامي، حيث أصبح يُنظَر إلينا على أننا ندافع عنه. وربما أبدى الأميركيون اهتماماً محدوداً بالوضع خلال السنتين الماضيتين، لكنه يظل الخبر الرئيسي من المغرب إلى إندونيسيا، بفضل البث التلفزيوني الفضائي. كما أن هذا الحصار أصبح أداة تجنيد رئيسية لـ"القاعدة" و"حزب الله" وغيرهما من المجموعات. وقد كان واحداً من دوافع الانتحاري الأردني الذي قتل ستة ضباط من وكالة الاستخبارات الأميركية في 30 ديسمبر 2009 بأفغانستان. كما أنه يفسد مبادرة أوباما لتغيير وجهات نظر المسلمين تجاه أميركا، والتي أبرزها عبر خطابه في القاهرة قبل سنة من الآن. ومؤخراً وصفت وزيرة الخارجية الأميركية الوضع في غزة بأنه "لا يمكن إدامته". وهي على حق، لكن سياسة الولايات المتحدة "لا يمكن إدامتها" كذلك. نحتاج إلى طريقة لإيصال المعونات الإنسانية إلى غزة، مع ضمان عدم تمكن "حماس" من تهريب الصواريخ لقصف المدن الإسرائيلية، وهذا يمنع "القاعدة" وغيرها من تهريب "المتطوعين" الذين يريدون شن الجهاد. ولحسن الحظ هناك توجه عالمي لمراقبة عمليات الشحن في المنطقة. وقد أوجدت الأمم المتحدة في تسعينيات القرن الماضي نظاماً خاصاً لتفتيش البضائع المرسلة إلى العراق الذي كان حينئذ يرزح تحت عقوبات الأمم المتحدة، من خلال ميناء العقبة الأردني. فقد استأجرت الأمم المتحدة مؤسسة "لويدز" اللندنية لتوفير مفتشين يفحصون كل شحنة لضمان عدم استيراد العراق مواد ممنوعة، لاسيما أسلحة وتكنولوجيا الدمار الشامل، فحصل الشعب العراقي على الإغاثة، لكن صدام حسين لم يحصل على الأسلحة. واليوم هناك حاجة ماسة وملحّة لإنشاء نظام كهذا لنزع فتيل غزة. ويستطيع "الناتو" المساعدة على توفير المفتشين، ولديه وجود مضاد للإرهاب في منطقة البحر الأبيض المتوسط تحت اسم "عملية المهمة النشطة" التي وُجدت بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر. وإذا رفضت "حماس" قبول نظام كهذا فإن مسؤولية أية معاناة في غزة تقع عليها. وإذا حصل ذلك، يستطيع العالم وقتها أن يبدأ بإعادة بناء غزة. ------- بروس رايدل زميل رئيس في مركز "سابان" لسياسة الشرق الأوسط بمعهد بروكنجز ------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كومون جراوند" الإخبارية