ينعقد يوم الاثنين المقبل 21/6/2010 المنتدى الثقافي العربي- الصيني وتبدأ أعمال المائدة المستديرة للحوار بين الحضارتين العربية والصينية ويباشر مهرجان الفنون العربية أعمال دورته الثانية في بكين، ويأتي هذا اللقاء متابعة جادة للقائنا الأول الذي انعقد في يوليو 2006 حين استقبلت الصين أكبر وفد عربي ضم اثنتين وعشرين دولة عربية ونحو ثلاثمائة وخمسين مثقفاً عربيّاً وحدت الثقافة العربية أقطارهم في لغتها وتوجهاتها وكانت الجامعة العربية هي التي رتبت الحدث الضخم بدعم جاد من مجلس سفراء الوطن العربي ومن سفراء الصين عند العرب. لقد جعلنا هذا التوحد الثقافي نشعر يومها بأن وفودنا كلها وفد عربي واحد فجعلت عنوان مقالتي يومذاك في هذه الصفحة "من وجهات نظر" (العالم يرانا أمة فكيف نرى أنفسنا؟) ويسعدنا نحن العرب أن علاقاتنا مع الصين قد تطورت في مختلف الصعد ولاسيما في المجال الاقتصادي حيث ازداد حجم التبادل التجاري خلال السنوات الأربع الماضية فبلغ 133 مليار دولار عام 2008 ولابد أنه تنامى بقوة خلال العامين الماضيين بفضل تصاعد التعاون في عمليات التنمية، كما تنامى الحضور الثقافي عبر تبادل الأنشطة والفرق الفنية والحوارات والمنتديات التي تعمق المعرفة بين شعبينا. وكان التواصل العربي- الصيني المستجد قد اتسعت دائرته منذ عام 2004 حيث تأسست شراكة جديدة بين الأمة العربية وبين أمة الصين حظيت بدعم كبير من جامعة الدول العربية التي وقعت على تأسيس منتدى التعاون الصيني- العربي الذي دعا إليه من الجانب الصيني الرئيس "هو جينتاو" فلقيت دعوته استجابة واسعة وترحيباً كبيراً من قادة الدول العربية جميعاً. وكانت اللقاءات التي تمت خلال السنوات الماضية، ضمن رؤية هذه الشراكة المتجددة تعبيراً عن عمق العلاقات التاريخية بين العرب والصين وهي تعود إلى أكثر من ثلاثة آلاف عام، وشاهدها الحي هو طريق الحرير الذي يعتبر أشهر طريق في تاريخ البشرية لعبور الثقافات والحضارات. والعلاقات العربية- الصينية لم تشبها شائبة عبر تاريخها، ويحق لنا أن نفخر نحن العرب والصينيين بأن تاريخنا المشترك ناصع عبر آلاف السنين لم تعكر صفوه أية مشكلات على الإطلاق، ولم يكن ذلك بسبب البعد الجغرافي فهو لم يمنع العرب والصينيين من التلاقي، بل بفضل الاحترام المتبادل الذي ما نزال نجده سبباً مهماً لتعميق علاقاتنا، وقد قرأت عن أول تمثيل دبلوماسي بين العرب والصين وكان مفاجئاً لي أن أعلم أن الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه أرسل أول سفير عربي إلى الصين عام 31 هجرية ( منتصف القرن السابع الميلادي) في عهد "قاو تسونغ" من أسرة "يانغ" الملكية، وقد توالى إرسال البعثات العربية إلى الصين في عصر أسرة "تانغ"، ويقول المؤرخون إن عدد الموفدين بلغ نحو خمسين موفداً، وكان الصينيون يسمون الدولة العربية دولة "داشي"، وقد استمر إرسال البعثات الدبلوماسية إلى أسرة "سونغ" الملكية وعلى مدى أكثر من مائتي عام، وكان التجار العرب من أنشط تجار طريق الحرير. وهذا التاريخ النقي الثري، وكون العرب والصينيون منتجي حضارات ومؤسسي ثقافات يشكل قاعدة متينة لتحقيق مزيد من التعاون لتحقيق مصالح شعبينا العربي والصيني. ونحن العرب نقدر عاليّاً دعم الصين لقضايانا وبخاصة قضية السلام الذي يجب أن تسترد به الحقوق العربية المشروعة وتستعاد من خلاله الأراضي العربية المحتلة، كي تنعم المنطقة والعالم كله باستقرار وأمن يتيحان لعملية التنمية أن تحقق مستقبلاً أفضل للشعوب في عالم تنتهي فيه الحروب، وينتهي فيه سباق التسلح وتنزع منه أسلحة التدمير الشامل. ونحن في سوريا نقدر موقف الصين الداعم لحقنا في استعادة الجولان المحتل من قبل إسرائيل، وموقفها من حق الشعب الفلسطيني واللبناني، ونثمن مطالبتها الجادة بإنهاء الحصار الظالم على غزة، وفي الوقت نفسه نؤكد التزامنا بحق الصين في صيانة سيادتها ووحدة أراضيها، ونعمل وفق ما رأته أمتنا في كل قممها السياسية ومنتدياتها الدبلوماسية من أجل تعزيز العلاقات العربية مع الصين والمضي بها نحو تعاون أكبر وأوسع. ونؤكد اعتقادنا بأن التواصل الثقافي يشكل بيئة خصبة لمزيد من التفاعل ستكون نتائجه لصالح المجتمع الإنساني كله، فما نقوم به من تواصل وحوار يسهم بشكل كبير في تحقيق ما تسعى إليه البشرية من دعم للتنوع الثقافي ومن ثراء وغنى للتعددية في الثقافة الإنسانية، والتعددية سمة ثقافتنا العربية التي ترفض الهيمنة والتسلط وإلغاء الآخر، وتعترف بكل ثقافات البشر، وترفض الأحادية والإلغاء والإقصاء والاستعلاء وازدراء الآخرين، وهذه هي كذلك سمات ثقافة الصين العظيمة. إننا متفائلون بأن يحقق هذا المنتدى أهدافه وأن نجد آليات متعددة لزيادة حجم التعاون العربي- الصيني، وأن ندعم كل المبادرات التي يطلقها المبدعون وأن نزيد من الزيارات للوفود والفرق الفنية لأنها تسهم في تعميق المعرفة، عبر تبادل الأفكار والخبرات والتجارب. إننا نتمسك بالمبادئ التي أطلقتها الصين للتعايش السلمي، ونتذكر دورها الكبير في حركة عدم الانحياز، وندرك أن سعيها لتأسيس منتدى شنغهاي أواخر القرن العشرين كان بحثاً مشروعاً عن مستقبل آمن لشعوب آسيا، ورغبة نبيلة لبناء عالم متعدد الأقطاب، وندرك أن الولايات المتحدة تنظر بحذر إلى تقدم الصين، وكما تنظر بضيق إلى تطور العلاقات العربية- الصينية، ولابد من أن نذكر أن إسرائيل نجحت في إقامة علاقات وثيقة مع الصين التي كانت تعتبر إسرائيل بؤرة الإمبريالية في الشرق الأوسط، لكن اندفاع بعض الدول العربية لإقامة علاقات وطيدة مع إسرائيل جعل الصين ومثلها الهند ودول كبرى كثيرة كانت تقاطع إسرائيل من أجل العرب تفقد مبرر موقفها فهي لن تكون أشد حرصاً على قضية فلسطين من أهلها العرب. إننا نتطلع إلى مستقبل واعد في علاقاتنا مع الصين تؤسسه هذه المنتديات والمهرجانات يحقق بناء قويّاً لعالم متعدد الأقطاب والثقافات، ويحقق المنافع المتبادلة بين الأمم ويرسخ قواعد الأمن والسلم في العالم، وينتهي فيه التسابق إلى التسلح، ليبدأ التسابق في ميادين التنمية التي تنشر التقدم والرخاء والعالم، وتنتهي العنصرية الحاقدة الظالمة، والاحتلال البغيض لأراضي الشعوب والاعتداء على حقوقها وكرامتها، والصين بلد الحكمة العريقة هي الأجدر بأن تجد أمتنا معها مزيداً من التواصل والتفاعل الخلاق خدمة للبشرية جمعاء.